جريدة النور

الأدب النسوي العربي.. صوت المرأة في مواجهة التهميش

الأربعاء 10 سبتمبر 2025 09:04 صـ 17 ربيع أول 1447 هـ

في عالم طالما صاغ ملامحه الرجل، جاء الأدب النسوي العربي ليكسر دائرة الصمت ويمنح المرأة صوتًا تعبّر به عن ذاتها وتجاربها. لم يكن هذا الأدب مجرّد كتابة نسائية بل كان مواجهة فكرية وجمالية مع مجتمع اعتاد تهميش المرأة ووضعها في موقع التابع.

الأدب النسوي ليس مجرد نصوص كتبتها النساء بل هو أدب يحمل وعيًا أنثويًا يواجه البنى الثقافية والاجتماعية التي حجّمت دور المرأة ويعيد صياغة الحكاية من منظور مختلف. هو خطاب مقاومة وصرخة لإثبات أن الأدب لا يكتمل دون حضور التجربة النسوية.

رائدات عربيات في مسيرة الأدب النسوي
بنت الشاطئ – عائشة عبد الرحمن (1913 – 1998): باحثة وأديبة عربية مزجت بين الأصالة والجرأة. في كتابها نساء النبي قدّمت قراءة جديدة للتاريخ الإسلامي من زاوية تُبرز دور المرأة. وفي سيرتها على الجسر كتبت:
" لقد كنتُ أقاتل قلمي كما أقاتل مجتمعي، لأثبت أن المرأة قادرة على أن تكون عقلًا مفكرًا لا مجرد تابع"
هكذا وضعت قلمها في مواجهة ثقافة حاولت أن تحصر المرأة في دور واحد.

نازك الملائكة (1923 – 2007): لم تكتف بتأسيس قصيدة التفعيلة بل حمَلت أشعارها صوت أنثى تبحث عن الحرية. في شظايا ورماد كتبت:
"وأحسُّ أني غريبة وأني غريبة…
وأني هنا مثلما كنتُ في الأمس وحدي"
كلمات تلخص شعور العزلة الذي عاشته المرأة وسط مجتمع يفرض عليها الصمت.

أحلام مستغانمي (مواليد 1953): بصوتها الروائي الجريء أعادت رسم صورة المرأة في علاقتها بالحب والسياسة والذاكرة. في روايتها ذاكرة الجسد تقول بطلتها:
"علّمتني الحياة أن لا أثق بأحد، وأن أثق بنفسي أولًا ففي النهاية لن يُنقذني غيري"
جملة تختصر رحلة أنثى قررت أن تعتمد على ذاتها لمواجهة خيبات الواقع.

ليلى بعلبكي (مواليد 1936): أثارت روايتها أنا أحيا جدلًا واسعًا حتى مُنعت من التداول فترة لكنها أعلنت من خلالها تمرّدها قائلة:
" أريد أن أعيش حياتي كما أشتهيها لا كما يشتهيها لي الآخرون "
إعلان صريح برفض الوصاية الأبوية وبحق المرأة في تقرير مصيرها.

تحديات واجهت القلم النسوي
لم يكن الطريق ممهدًا أمام الأديبات العربيات. فالكثير من أعمالهن واجهت الرقابة وتعرضت للمصادرة بحجة أنها “ تصدم التقاليد” كما وُجهت إليهن سهام الهجوم الاجتماعي واتُهمن بالتمرّد والخروج عن المألوف. ومع ذلك استطعن تحويل أقلامهن إلى أداة مقاومة ووسيلة لتغيير الوعي.

الأدب النسوي.. من الهامش إلى المتن
اليوم لم يعد الأدب النسوي حبيس الهوامش. لقد صار جزءًا أصيلًا من المشهد الأدبي العربي ليس لأنه يمثّل "كتابة نساء" بل لأنه أعاد للأدب روحه الإنسانية الشاملة، وأثبت أن صوت المرأة لا يقل أثرًا ولا عمقًا عن صوت الرجل.

الأدب النسوي العربي هو رحلة طويلة من الصراع مع القيود والوصاية لكنه أيضًا شهادة على قدرة المرأة العربية على أن تكون فاعلة في صناعة الوعي. من بنت الشاطئ ونازك الملائكة إلى أحلام مستغانمي وليلى بعلبكي يظل الأدب النسوي شاهدًا على أن الكلمة قادرة على تحدي السلطة وتغيير صورة المرأة من الهامش إلى مركز الحكاية. قد تختلف الأسماء وتتباين الأزمنة لكن يبقى الأدب النسوي العربي شاهدًا على أن المرأة حين تكتب، فهي لا تروي حكايتها فقط، بل تكتب تاريخًا جديدًا للوعي الجمعي.