بوابة النور الاخبارية

وطنية أحمد بلبولة من خلال ديوانه حوار الريح والعصافير المسحة الصوفية وعلاقتها بشعره .. ماذا قال محمود الربيعي عن أوائل أشعاره منذ ربع قرن

السبت 6 ديسمبر 2025 11:44 صـ 15 جمادى آخر 1447 هـ
وطنية أحمد بلبولة من خلال ديوانه حوار الريح والعصافير المسحة الصوفية وعلاقتها بشعره .. ماذا قال محمود الربيعي عن أوائل أشعاره منذ ربع قرن

بقلم أحمد أبو اليزيد

صدر حديثًا للدكتور أحمد بلبولة عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة ديوان جديد بعنوان حوار الريح والعصافير في 140 صفحة عن دار نشر دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع حول 7 إلى 10 قصيدة في قصائد متباينة لكنها متصلة في النهج والمنهج: هي حوار الريح والعصافير، دعامة سطح الوحدة، العصر الذهبي، اللوتس، المتنبي، آية العاشق، أربع قصائد لابن خالي الذي طلق زوجته، بيت جديد، صبح قمري غائب، شجن، بنات عليه، درس حماسة الأخير، أمام الطيبين، الجمال النائم.

الملاحظة الأولى أن الديوان لم يصدر له مقدمة نثرية كعادة تعودنا عليها ولكن جاءت بالشعر في قصيدة تحمل عنوان الديوان حوار الريح والعصافير في 124 بيتًا شرحت التجربة وقدمت للعمل في صورة شيقة.

قالت الريح العصافير قالت، وهو مفتتح نفهم منه أن الريح عندما تقول فالعصافير تقول في محرك واحد ووقت واحد، وهو معنى بعيد في مقصده، يعني الحرية عندما تأتي فالكل يقول، والريح بمثابة الحرية للكون كله، وبدون الرياح يتوقف الكون ويصمت ومعه تتوقف عجلة الحياة. والريح تكون عادة للكرب ولكن الشاعر جعلها للخير عندما أزالت الأحزاب عن المدينة، وعندما تأتي باللقاحات بين الأشجار وبين الزهور والرياحين، فطلع النخيل والزهور لا تلتقي سوى بالريح، وهروب المن والسلوى لا يكون إلا بالريح. فالمعاني كثيرة ومتعددة وتختلف من متلقٍ عن آخر حسب ثقافة كل دارس أو مهتم بالشعر وبأحشائه التي فيها الدرك الكامل.

لو تركت الحقل ماذا أغني؟ وهذا المعنى يتصل بعنوان ديوان شعر للشاعر محمود حسن إسماعيل أغاني الكوخ، وهو شعر تم بالطبيعة قبل نصف قرن ولكن الأمر على يد الدكتور أحمد بلبولة يختلف والمرام تتعدد والمقاصد تتنوع.

ثم يرد: قالت الريح العصافير قالت. ونلاحظ أن علامات الترقيم أتت بالدلالة، وهو فن جديد من فنون القول غير متعارف عليه بالمعنى المؤكد، فالنقطتان فوق بعضهما دلالة القول بعدهما على ما قبلهما، وهذا نراه في هذه القصيدة الافتتاحية التي تمثل عتبة النص.

ثم يردفنا في بيت آخر: قالت الريح التعود يفضي للرضا وهو انتحار المغني.
هنا قالت الريح فقط دون متلازمتها العصافير قالت، وهو تنوع شعري ينهجه الشاعر كي يقلب القلوب والأبصار بين أنامله لتذوب النفس في حب الطبيعة وحب الحرية وعشق الحياة بمعانيها.

قالت الريح كسرًا للطبيعة قالت إنها الأم التي أوجدتني.
قالت الريح الطبيعة تأبى أن تسوّي بابنها في التبني.
قالت الريح العصافير قالت وحظي في الذي لم يخنّي، اعتياَد الأمن في أرض خوفي، اعتياَد الخوف في أرض أمني.

كلمات شديدة الواقع على كل ذي لُبّ يبحر في بحر نغم، فالبيت الأول جمع بين الأمن في أرض الخوف، والبيت الثاني صنّف الخوف، والبيت الثالث صنّف الأمن.

ثم يقول: قالت الريح اخرجي يا عصافير لعقل آخر كي تحنّي.
وهذه الأبيات فيها تأثير عميق بمعاني وألفاظ القرآن الكريم، والكتابة جاءت بعد نوبة صوفية أبحرت في كتاب الله تعالى وتغريدات في بيوت أولياء الله الصالحين، فالنبرة الصوفية واضحة.

ثم يزيد بقوله: قالت الريح العصافير قالت لغة الفن غير أني…
حوار الشاعر مع نفسه أو ما يسمى تيار الوعي أو ما يمكن أن نطلق عليه المونولوج الداخلي للنفس يبدو واضحًا.

كل هذا الذي يبدو ظاهرًا هو معنى قريب لذهن المتلقي، أما المعنى البعيد فهو بعيد المدى غير متاح إلا لمن أعزه ربي ومن يملك القدرة على السباحة في بحر الميت لا موج فيه ولا حراك. الشاعر يخدعنا بالمقاصد القريبة ويتركنا نهيم، وهو في قلبه يضحك لأننا لا نفهم بعد مقاصده، كما قال نجيب محفوظ لطارق عبير في فهم وشهرة أعماله بواسطة الدراما: "هم أشهروها ولكنهم لم يفهموها".

فهل هذا القول ينطبق على قراءات العلماء يوم لقاء المركزية؟
سؤال صعب الإجابة عليه خصوصًا وأنهم علماء في دائرة الضوء ينظرون للنص نظرة واعرة على أي متلقٍ، ولكن نظرتي المتواضعة قد تبدو مخالفة.

كانت الحرب اختيارًا رهيبًا لم يفز بالصبر غير الحسين
ثلاثة أبيات اختتم بهم الشاعر قصيدته الافتتاحية.

ولكنهم لم يعملوا الإجابة عن المقاصد التي ينشر الشاعر من خلال رؤيته، ولكن النظرة العالية لا يمكن أبدًا أن تحقق الهدف الذي من أجله قال الشاعر شعره وأنشده.

ويمكن لهذا الديوان أو هذه القصيدة أن تأتي بأفهام عديدة حسب درجة التلقي: ذات مغزى ديني، أو مغزى روحاني صوفي، أو وصف للطبيعة.
ليس هناك قول فصل لديه كما أجزم أنه غير ممنوح لأحد.

لقد وضعنا الشاعر في قفص واحد وأخذ مفتاحه معه وخرج، وما زلنا نتبرجس في الحوار حول المعاني في قالب ألفاظها.

ليس هذا جديدًا على شاعرنا، فصعوبة المعاني والمقاصد تحدث عنها أستاذ الأجيال الدكتور محمود الربيعي منذ أكثر من ربع قرن في قرية بهرجت بنين الجيزة وهو يناقش ديوان الشاعر الأول بقوله:
"من يملك القدرة على أن يناقش أحمد بلبولة؟"

وما زال هذا القول حتى اليوم شاهد عيان على كل إبداعات الشاعر الذي يصب الشعر صبًّا من جياشة قريحته المطبوعه غير المصنوعة؛ شعر أتى من خيال جامح لا تأثير فيه لموقف أو تدخل ذهني، ولا يمكن أن نحكم عليه أنه شعر مناسبات كما قيل عن الشاعر الكبير علي الجارم أو الشعراء العرب الكبار.

فالشعر لا سلطان عليه إلا القريحة والهوى وجموح الخيال.