جريدة النور

من أجل حياة أرقى.. لنعد للكتاب الورقي

-

هل يمكن العودة للعهد الذهبي للكتاب الورقي؟ سؤال تردد على ذهني منذ فترة ومازال يتردد ليومنا هذا رغم طغيان الكتابة الالكترونية التي كادت أن تطيح بالكتاب من عرشه الممتد لقرون خصوصا مع ظهور برامج التواصل الاجتماعي والتي طغت على حياتنا بشكل فج في العقدين الاخيرين ، وأثرت في كثير من جوانب الحياة ولعل خير مثال هو مساعدتها على سرعة انتشار ثورات الربيع العربي رغم تحفظ البعض على كلمة (الربيع العربي) فيصفونه بالخريف وليس الربيع قياسا لتأثيره على بلد دون آخر ، وإن كنت أرى ان الربيع العربي قد نجح بدرجة ما في دولتين لأسباب تتعلق بدرجة الوعي والثقافة العامة لدى شعبيهما إضافة إلى أسباب موضوعية لا يتسع المجال لذكرها وهما تونس ومصر فلولا مساهمة برامج التواصل في تعزيز الحشد لما نجحت 25 يناير وما كانت هناك 30 يونيو وما تغيرت مصرنا العظيمة. أعود لبرامج التواصل والتي قللت – مؤخرا- كثيرا من استخدامها لأنني اكتشفت أنها فقدت بريقها ورونقها في تقديم رسالتها في التواصل والتباحث والتحاور والحديث في مسائل تتعلق بالوطن وتقدمه وتطوره وإبداعات مبدعيه وانتاج مفكريه وعلمائه ، واقتصر أغلب دورها على تهاني المناسبات السعيدة وتعازي المناسبات الحزينة والتي تصيبك بالغم والنكد لكثرتها على مدار اليوم ، فلك أن تتخيل لو ان لك نحو ١٠٠ فقط من الاصدقاء ولدى الكثير أضعاف هذا الرقم ولكل منهم ١٠٠ مثلهم وتبادلنا التهاني والتعازي بيننا فكم من الوقت يتم هدره للقيام بذلك ، كل هذا جعلني أتحفظ وأقلل من استخدام تلك البرامج قدر الطاقة لأنني عاشق للقراءة الورقية واشعر بسعادة وانا اتصفح كتابا ليس عن طريق الموبايل او الكمبيوتر او اللاب توب وانما عن طريق الكتاب المطبوع فتقليب الصفحات له استمتاع خاص، وكذلك النظر للحروف والكلمات والجمل المطبوعة على ورق، وعلى رأي الاستاذ الكبير علي أمين رحمه الله تعالى حينما كان رئيس مجلس إدارة دار الهلال ، وهذا رواية عن أحد الزملاء القدامى (والعهدة عليه) انه كان يجعل الصحفي المبتدئ ينزل المطبعة ويجلس وسط العمال ويشم رائحة ماكينة الطباعة ليشعر بأهمية ما يكتبه مستقبلا ، ومن هنا كان الكتاب والجريدة الورقية عشقي الوحيد، ولكن اتباعا لسنة التطور التي كتبت على البشر اجبرت على التعامل مع برامج التواصل الاجتماعي وبعد أن كان أصدقائي على صفحتي على الفيس لا يتعدون العشرات فتحت النافذة قليلا لاستقبل عددا اكبر وقد كانت غلطة كبيرة مازلت وسأظل أعاني منها طويلا فقد اكتشفت ان نحو ٨٠ في المائة من الرسائل المستقبلة انحصرت في التعريف بحالة وفاة لتقديم واجب العزاء او الاعلان عن زواج او تهاني اعياد الميلاد وغير ذلك من المناسبات الاجتماعية او الدينية او حتى الوطنية وقليلا ما تجد معلومة مفيدة او قضية مثارة، ومن طرائف المواقف إنني استقبل في المناسبات السعيدة كالاعياد الدينية المئات من التهاني وكذلك في غير المناسبات فالرسائل الصباحية لا تقل عن رسائل المناسبات ولعل يوم الجمعة له مزية خاصة فمن ليلة الجمعة إلى صلاة الجمعة يمكن للفرد العادي ان يستقبل مئات الرسائل عبر الوتس او الفيس او الماسنجر او الانستجرام التي تحدثك عن فضل ليلة الجمعة وفضل فجر الجمعة وفضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضل صلاة الجمعة ، وبدورك أنت تقوم بإرسال عدد كبير من هذه الرسائل التي وصلت إليك إلى مجموعة أخرى أو لذات المجموعة مع تبادل الرسائل المرسلة والمستقبلة وهكذا ندور في حلقة مفرغة، والعجيب والغريب إننا كلنا مسلمون لا يغيب عنا فضائل يوم الجمعة وكلنا يعرفها جيدا من الصغر ورغم ذلك نتبادل تلك الرسائل اسبوعيا ، ولذا قررت ان أقلل من استخدام هذه البرامج قدر طاقتي واستبدلت بها العودة المحمودة للكتاب الورقي فمن المؤكد أن فائدته أكثر كثيرا من استقبال التعازي والتهاني التي تستقبلها غالبا مجبرا