آفة العصر.. وصديق العمر

بقلم: سيد عبد المالك
التقينا فتعارفنا.. وتزاملنا فتصادقنا.. فأصبح افتراقنا قليلا.. نذهب معا للمدرسة.. للصلاة.. للتنزه .. وامتد الحال هكذا طوال المرحلة الابتدائية .. وكاد يفتديني بحياته بعد أن تعرض لنا أحد البلطجية وحاول أن يهوي بعنق زجاجة مكسورة عليّ فتلقى صديقي الطعنة مكاني فسببت له عاهة استمرت لفترة طويلة من الزمن قبل أن يزول أثرها.
واستمرت صداقتنا في المرحلة الإعدادية وكان محبوبا بين جميع الزملاء لشهامته، وكانت المرحلة الثانوية محل افتراق فقد اكتفى بدبلوم فني ليمارس حياته التي خطط لها قبلنا بسنوات، والتحق بوظيفة حكومية، ولكن طموحه كان كبيرا فخرج للعمل الحر، فقد كان يمتلك موهبة النقاشة التي كان بارعا فيها، ولديه ذوق راق في اختيار الألوان والتناسق بينها، فترك العمل الحكومي الذي كان يدر عليه راتبا معقولا آنذاك- كنا نحسده عليه- ليتفرغ لأعماله الحرة ولم تجد محاولاتي لمنعه من ترك العمل الحكومي نفعا، ومن يومها خرج من تحت عباءتي وعباءة أسرته إلى عباءة رجال الأعمال وخلال فترة وجيزة جمع مالا كثيرا يقدر بآلاف الجنيهات.
ورغم ذلك كان هناك شيء بداخلي قلقا عليه، فرغم الأموال الكثيرة لم تظهر عليه آثار النعمة كما كان متوقعا، ولم يتحسن وضع أسرته المادي بنفس درجة امتلاكه للمال وسألته ذات مرة عن ذلك فألمح أن كل أمواله في السوق وأنه يقوم بتشغيلها لكسب عائد أكبر ولم أصدقه، وفي إحدى الجلسات التي أعادت بأيام صداقتنا للوراء أيام أن كنا لا يخفي أحدنا عن الآخر شيئا صارحني بأن أغلب أمواله تضيع في السهرات التي يقدمها لمهندسي المقاولات التي يقوم بتنفيذها حتى يعطونه مناقصات أخرى.
ومن هنا بدأت الهوة تتسع بيني وبين صديقي لأن نظام حياته اختلف كليا وها هي الكازينوهات وحياة اللهو تسيطر عليه فأخذته الى التعامل بحياة مختلفة عن حياته البسيطة السابقة، فهو الآن دخل عالم المشروبات الروحية وبدأ زيارة المخدرات ومن قبل كان يدخن بشراهة وانتقل للشيشة المحملة بمخدر الحشيش أو الأفيون والتي أصبحت نديما له فهي تصاحبه في المقهى، في البيت، حتى في العمل، في كل مكان، وبدأ صديقي طريق اللاعودة فقد تمكن منه هذا الكوكتيل اللعين من المسكرات والمخدرات بأنواعها، وبدأ كل هذا يؤثر عليه صحيا وظهرت عليه علامات المرض وبدأ يفقد الكثير من وزنه.
وافترقنا بالسفر وفي إحدى إجازاتي سمعت بسوء حالته الصحية فهرعت إليه فلم أجد فيه من صديقي القديم شيئا .. شبح إنسان يتكلم بصعوبة وحينما وجد انزعاجي الشديد من منظره، أخذ هو يواسيني بدلا من أن أواسيه، ويقول إنه أفضل من السابق، ولأنه يتكلم بصعوبة طلبت من نجله الحقيقة، فقال: رغم نصيحة الأطباء له من زمن بأن يبتعد عن التدخين والمخدرات فإنه لم يمتثل لطلباتهم حتى أصيب بارتشاح في الرئتين وانسداد في شرايين القلب.
عندئذ وفي ذلك الوقت تذكرت نصائحي الدائمة له بعدم التدخين والابتعاد عن المشروبات وتعاطي المخدرات ولكنه كان يأخذ كلامي باستهتار، وطبعا لم أشأ أن أجدد أوجاعه بنصائحي فكل ما حدث كان نتيجة هذه السموم التي ظل يتناولها لأكثر من عشرين عاما مما سبب الكثير من الأمراض التي سيطرت على أجهزته الحيوية، فها هي صورة صديقي ماثلة أمامي هيكل إنسان، جلست مع صديقي نحو الساعتين على أمل اللقاء أكثر من مرة، ولكن إجازتي كانت قصيرة وعدت إلى موقع عملي بالخارج لأجد اتصالا تليفونيا بعد شهرين ينعي لي صديقي وهو في ريعان الشباب.