الإثنين 7 يوليو 2025 10:53 مـ 11 محرّم 1447 هـ
جريدة النور
رئيس التحرير محمد حلمي
×

أدبنا الحالي ونقده

الإثنين 7 يوليو 2025 01:25 مـ 11 محرّم 1447 هـ

بقلم إلهام عفيفى

صعب على الإنسان أن يعيش في مفترق الطرق، فلا يدري من أين ياتي العدو أو إلى أين يذهب الصديق ولا من أين يأتي الظلام او أين يختفي النور، مما يجعل العامة يصابون بأخطر أمراض العصر (الإحباط واليأس)، فلا ناتج لعمل ولا صدى لصوت وكأنه حرث في البحر، فلا يرتجى فيه زراعة ولا ينتظر منه وجاء.
وإذا كان هذا حال العامة فما بالنا بمن منحه الله لباً ووجدانا، حيث تكبر الصغيرة وتصغر الكبيرة، ويشرق الليل وتظلم الشمس، فترى الوجوه بلا ملامح والأصوات بلا بيان والعلوم بلا جدوى.
ربما هذه تقدمة جيدة تعبر عن شعوري حينما تتساقط من دور النشر آلاف الدواوين على عيني ويدي فتصيبني بما يصاب به العامة، من الإحباط واليأس، حيث يأتي الكلام في معظم الدواوين موجها إلى شخص لا إلى مجتمع، وكان أجدر بالشاعر –كما يقول عن نفسه- أن يرسل هذه الرسالة إلى المقصود أو المقصودة دون نشرها في كتاب لتصبح عدوى تصيب المبتدئين، وتدخل المجتمع في كهف بدايته ونهايته دجىٍ دامس (ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها)، فقلة من قلة من يستثيرهم لون دماء البشر المسفوكة، والكثرة الكثيرة اعتادو المنظر وألفوه، حتى ظننت أنه لو غاب لطلبوه، ونتج عن ذلك ان أصبحت الفردية (وليست الذاتية) هي المعبر الرئيس عن الشعر المصري بشكل خاص، والشعر العربي بشكل عام في وقتنا الحالي، وكان حريا بي أن أقدم نماذج متعددة لأهم الشعراء في مصر والوطن العربي لتكون الرؤية أكثر وضوحا، لكنني وجدت أن رفع الحرج عن نفسي، وعن القراء هو الأجدر، فالأجدى في النقد توصيف القضايا والأيسر ما لحق التطبيق، وحينما تؤخذ هذه الرؤية لتطبق على معظم دواوين الشعر الحالية فستذكرون ما أقول.
بدأ الشعر العربي بداية مؤسسية فلم يكن الشاعر فردا بل كان لسان قبيلته كلها، فيعبر عن جميع أبناء القبيلة؛ فارسها وخائفها، ورجالها وسيداتها، وجدانها في الحب والكره، انتصاراتها ونكباتها، بل زاد عن ذلك أن الشاعر كان أكبر أبناء القبيلة ثقافة وأنبلهم فروسية، وأجودهم بذلا، وأصبرهم عند الشدائد، فكان معلما في سلوكه قبل شعره، وكان الشاعر أستاذا لمن يريد طلب العلم عنده.
لم يترك الشاعر العربي من بيئته شاردة ولا واردة من أماكن وأدوات ونبات وحيوان وبيوت وأطلال وجهل وأفكار إلا وتعرض لهم مبديا رأي المجتمع لا رأيه، وناظرا بعين العقول لا عقله، حتى قال بن عباس رضي الله عنهما: (الشعر ديوان العرب)، أي أنه جمع معارف العرب وثقافتهم وعلومهم وسلوكهم ومعاركهم وأدواتهم وبيوتهم في شعره، ومن يقرأ ديوان الأعشى أو عنتره أو النابغة وحتى البحتري وأبي تمام والمتنبي؛ سيعرف أسماء الملوك والحكام وعيوبهم ومزاياهم، والبيئة النباتية والحيوانية والعلاقات بين الأفراد في القبيلة الواحدة وعلاقة قبيلة الشاعر بالقبائل حوله، وقلة قليلة للغاية لا تتجاوز أبياتهم عدد أصابع اليد الواحدة حينما يصاب الشاعر بالفردية فيتقوقع داخل فكرة تخصه.
كان الشاعر مبرزا للنظام السياسي والاجتماعي والثقافي في مجتمعه، وغدا دليلا دامغا على الحياة في عصره بكل جوانبها، ولولا الحياء لعرضت لكم دواوين شعر حالية لا يمكن أن نصفها بالشعرية أولا، ولا نعرف متى كتبت ولا يوجد دليل واحد بها على أنها مكتوبة في عصرنا سوى التاريخ الموجود على غلاف الديوان إذا وضعوا هذا التاريخ، والأدهى من كل ذلك أن الصورة الشعرية القديمة أكثر تأثيرا ووضوحا وجاذبية وصفاء من الصورة الشعرية الحالية.
كل ما يمكنني أن أقوله أن الشعر الحقيقي له وظيفة ولا يمكن أن يفقدها، ولكن الشاعر في عصرنا الحالي فقد مكانته السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد يصيبك الضحك حد الهستيريا إذا سألت أحدا وقلت له: ما وظيفتك؟ فجاءت إجابته (شاعر).
---------------------
إلهام عفيفي.