النقد بين الوعي الجمعي والتطبيل ... بقلم إلهام عفيفى

يرتبط الوعي الجمعي بإدراك المجتمع للقضايا المختلفة التي تواجهه، ويُعتبر هذا الوعي ركيزة أساسية لتطور المجتمع وتقدمه، لذا يمثل هذا الوعي انعكاسًا للواقع الاجتماعي، حيث تعكس الآراء والنظريات والأفكار والتقاليد والعادات مجموعة متنوعة من الظواهر الاجتماعية، كما أن انعدامه يؤدي إلى انهيار المجتمع.
لا يمكن فصل الوعي الجمعي عن الوعي الذاتي، حيث يؤثر كلاهما في الآخر، والعقل الواعي أحد أهم جوانب تطوير الأدب، حيث تتواجد عناصر الإبداع الأدبي في صورة منظمة وعفوية بنسب مختلفة.
وتتواجد العقلانية واللاعقلانية في الإبداع بنسب معينة لا يمكن تجاوزها وهي التي تعكس سمات كل عصر وكل مبدع، فلكل عصر سماته ولكل مبدع بصمته، لذا يكون من السهل على المبدع الحقيقي والناقد الحقيقي اكتشاف الابداع المصطنع أو المزيف، ومن غير المقبول أن يفلت من العقاب من يقوم بتزييف أو انتحال الإبداع.
ويعتبر النقد الأدبي أحد أهم مظاهر الوعي الجمعي في الأدب، حيث يستطيع الناقد الحقيقي تمييز الإبداع الذي يحمل فكرا حقيقيا وموهبة واضحة ليضعه في مكانه الذي يستحق من التناول وإلقاء الضوء، ويهمل ماعدا ذلك، حيث يمثل الاختيار النقدي لأفضل الأعمال تعزيزا للوضع الثقافي وتاريخيته في كل عصر، ولذا نجد أننا لازلنا نقتات على إنجازات ماضينا الثقافي المتوهج، بينما الحاضر بلا أي إنجاز مرئي، حيث توارى المبدع الحقيقي كمدا، وهو الذي لا يجيد التسويق وإنشاء العلاقات وتبادل المصالح، لصالح مدعي الابداع الذين لا يملكون موهبة سوى القدرة على جمع "شلة"، أو التنقل والعلاقات المتبادلة شرعية كانت او غير شرعية مع من هم من امثالهم، من باب "سقفلي واسقفلك" حتى أصبح الأدب المصري في حال يرثى لها بعد أن صار مهنة من لا مهنة له، وصنعة من لا يجيد اي صنعة، فهناك فئة ممن يطلقون على أنفسهم كتاب يشترون إبداع غيرهم بالمال أو غيره، ليتباهوا به من باب الوجاهة الاجتماعية، والأدهى من ذلك أنك تجده يسير منتفخا وقد صدق نفسه أنه مبدع حقيقي، والأَمَرّ من ذلك ان يكون الناقد عالما أو مشاركا بذلك، غافلا عن ان ذلك يدخل في نطاق الشهادة الزور، ومع ذلك ينبري مصفقا ومهللا للمبدع (أو المبدعة) المتفرد المتجدد الذي أتى بما لم يأته أحد قبله، تاركا خلفه مبدعين حقيقيين لا يعلم المجتمع عنهم شيئا لأنهم لا يملكون جوقة النقاد المهللين، ومما زاد الطين بلة، أن تجد هؤلاء المدعين يملأون المنصات الرسمة وغير الرسمية، يتحدثون بكل تافه ورخيص، يكتشفه من يملك "رُبع ثقافة"، بمجرد نطقه للكلمات.
والآن أصبحت الثقافة المصرية ثوبا مهلهلاً، يتجاذبه المدعون من كل جانب، فيزداد تمزقا، لكن ذلك لا ينفي أنه مازال هناك بصيص من نور، حيث أن مصر زاخرة بالمبدعين والموهوبين في كل مجالات الثقافة، ينتظرون من يلقى على موهبتهم الضوء لتتألق وتضئ، لتعود مصر رائدة ثقافية كما كانت على مر العصور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلهام عفيفي