”أنفاس مستعملة” تشريح سردي للواقع المأزوم والظل النفسي المُعقَّد بقلم عصام الدين أحمد صالح

كتب-احمد حمدى
مقدمة
تتشكّل الملامح الأولى لأي عمل إبداعي من صميم التجربة الحياتية لصاحبه. وتأتي المجموعة القصصية[1] "أنفاس مستعملة" للكاتبة غادة صلاح الدين لتؤكد هذه الحقيقة، حيث تُعتبر تجلّياً واضحاً لبيئة ثقافية واجتماعية ثرية، كانت بمثابة الحاضنة الأولى لموهبتها. فغادة صلاح الدين، ابنة الصالون الثقافي البارز، والناشطة في الوسط الأدبي، ليست مجرد كاتبة، بل هي مرآة عاكسة لهموم مجتمعها، تنقل بجرأة ونفاذ بصيرة ما يعتمل في الواقع من صراعات وتناقضات. وفقاً لسيرتها الذاتية[2] نشأت غادة في بيئة مليئة بالأدباء والمفكرين، مما منحها حساسية فائقة تجاه اللغة والنفس البشرية، وفقا لحاتم سلامة[3] التي يرى في كتاباتها اندماجاً بين الإبداع والحياة اليومية.
وتحتل القصة القصيرة التي تحمل العنوان ذاته، "أنفاس مستعملة"، مكانة القلب النابض في هذه المجموعة، لكونها تتناول قضية من أخطر التابوهات الاجتماعية، وهي قضية زنا المحارم، وذلك من خلال بناء سردي متقن، وشخصيات معقدة تئن تحت وطأة صراعات نفسية عميقة.
وقد وقع اختيار هذه الدراسة على هذه القصة بالذات لكونها نموذجاً مكثفاً يجمع بين القوة الفنية والجرأة الموضوعية، مما يجعلها تستحق الوقوف عندها تحليلاً وتفكيكاً، كما أبرزت ندوة قصور الثقافة بالفيوم[4] حيث ناقش نقاد مثل محمد دياب غزاوي عبقرية النهايات المفتوحة فيها.
لا تنفصل جرأة الطرح هذه عن شخصية الكاتبة وخبرتها. فمن خلال سيرتها الذاتية، نكتشف أن غادة صلاح الدين هي ابنة محمد صلاح الدين ثعلب، أحد الرواد الذين أعادوا إحياء فكرة الصالونات الثقافية في مصر، وقد نشأت وترعرعت في منزل كان ملتقى للأدباء والمفكرين، مما منحها حساسية مفرطة تجاه اللغة، وإحاطة غير عادية بتفاصيل النفس البشرية والعلاقات الاجتماعية المعقدة.
هذه الخلفية الفريدة تفسر لماذا تأتي كتاباتها، وخاصة "أنفاس مستعملة"، ناضجة، وواثقة، وقادرة على خوض غمار الموضوعات الشائكة بوعي وفنّية، كما يؤكد محمود حمدون[5] التي يرى فيها مزجاً بين الرؤية النسوية والمفهوم النوعي للمثقف.
ومن هنا، تتبنى هذه الدراسة مقاربة نقدية متعددة المداخل، تتناسب مع تعقيد النص المدروس. فستعتمد على تحليل البنية السردية بآليات تشويقها ومفارقاتها، وتغوص في التحليل النفسي للكشف عن الأعماق المظلمة لشخصيات القصة، كما ستستقصي الأثر الواضح لتجربتي الأديب إحسان عبد القدوس (خاصة في قصة "العذراء والشعر الأبيض") والصحفي عبد الوهاب مطاوع في صياغة عالم القصة وربطه بهموم الإنسان اليومي.
وستكرس حيزاً خاصاً لتحليل جرأة الكاتبة في كسر تابو زنا المحارم، ليس كفضيحة مجانية، بل كمدخل لتشريح أزمة أسرة ومجتمع.
وأخيراً، ستظل القراءة منفتحة على منظورات نقدية أخرى كالنسوية والاجتماعية، انطلاقاً من ثراء النص وقدرته على استدعاء تأويلات متعددة، مع إضافة مدخل مخصص للمنظور النسوي لتعزيز هذا الثراء.
المدخل الأول: عتبات النص (مدخل إلى العالم النفسي للقصة)
لا يمكن فصل تحليل "أنفاس مستعملة" عن قراءة عتباتها النصية والبصرية، فهي تمثل المدخل الأول إلى عالمها النفسي المعقد. فالعنوان "أنفاس مستعملة" يشيء أكثر رموز الحياة حميمية (النفس)، محولاً إياه إلى دلالات على الإرهاق والانتهاك وابتذال المشاعر، وهو ما تجسده شخصيات القصة. كما أكد حاتم سلامة[6]، يثير العنوان تساؤلات وجودية عن الإنهاك النفسي، مما يجعله مدخلاً مثالياً للقارئ.
وتغيير الغلاف من طبعة إلى أخرى – تعديل صورة المرأة – من امرأة شبه عارية تمضى بلا هدف الى صورة امرأة شبه حالمة ربما تبحث عما ينقصها وهو يُظهر تطوراً في جرأة تقديم هذا العمل وربما في رؤية الكاتبة التى تولى المرأة الاهمية فى التركيز على المشكلة والمعاناة.
ومما هو جدير بالذكر ان بعض مواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت عندما اشارت الى القصة ونشرت صورة الغلاف قامت بكشط صورة المرأة العارية (غلاف الطبعة الاولى) وقد يكون هذا من اسباب تغيير صورة الغلاف، كما يعكس ذلك حساسية المجتمع تجاه الرموز الأنثوية المكشوفة.
أما العتبة النصية (كلمة الغلاف الخارجى)[7] – والمأخوذة من بداية القصة – فهي ليست مجرد عبارات منتقاة، بل هي إطار سردي ذكي يضع القارئ في موقع الصحفية المتلقي، منشئاً مسافة تسمح بالتأمل والرعب غير المباشر. إنها تبني عالم القصة لَبنةً لَبنة: من ملل الروتين إلى صدمة كشف المستور، لتهيئ القارئ لدخول عالم الأسرة المنهارة.
وهكذا، فإن هذه العتبات مجتمعة لا تعلن عن الموضوع فحسب، بل تخلق الجو النفسي الملائم له منذ اللحظة الأولى التي يلتقط فيها القارئ الكتاب، مما يعزز الاندماج العاطفي كما أبرز نقاد في الندوات.
المدخل الثانى : تشريح البنية السردية (آليات التشويق وتشظي الضمير)
لا تقف براعة القصة عند حدود فكرتها الجريئة فحسب، بل تتمثل بشكل أساسي في البنية السردية المحكمة التي تشيّدها الكاتبة، والتي تتحول إلى أداة طيّعة في يدها لاستدراج القارئ إلى أعماق النص ودهاليز الشخصيات. فالسرد هنا ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو مشارك فعال في صناعة المعنى وخلق الإحساس بالقلق والتوجس الذي يطبع الأجواء منذ السطر الأول، كما يؤكد بيومي طاحون[8] في ندوة الفيوم، الذي يرى فيها جداريات سردية ترصد العلاقات الاجتماعية.
يبرز التشويق كأبرز هذه الآليات، وهو تشويق نفسي في المقام الأول، لا يعتمد على أحداث مفاجئة بقدر ما يعتمد على الكشف التدريجي لطبقات العلاقة المريبة داخل الأسرة. يبدأ هذا التشويق من العتبة الأولى للنص، وهي رسالة القارئة التي تفتتح بجملة مفجعة[9]: "أنا زوجة لرجل أكثر من اللازم، يضع بصماته كل يوم على جسدي..."، لتبدأ رحلة القارئ في تفكيك شيفرة هذه العبارة المحملة بالتناقض بين "الاستمتاع" و"التحول إلى سجل" ينقش عليه الغير. هذا التشويق المبني على الإيحاء والتلميح، لا على التصريح، هو ما يخلق ذلك الإحساس بالخطر الوشيك الذي لا يترائى له، ويجعل القارئ يعيش حالة من الترقب كما في قصص أخرى من المجموعة مثل "بلاغ كاذب" التي تثير تساؤلات وجودية.
ويعمل هذا التشويق في تناغم تام مع المفارقة السردية التي تستخدمها الكاتبة ببراعة. فالفجوة بين المظهر والجوهر، بين ما يبدو "طبيعياً" من علاقة الأب بابنته وبين ذلك "اليقين الناقص" الذي تعيشه الأم، هي وقود الدراما الأساسي. المفارقة هنا ليست لغوية فقط، بل هي مفارقة وجودية تعكس انفصام الشخصيات عن ذواتها وعن بعضها البعض، مما يضاعف من تأثير التشويق ويجعل القارئ شريكاً في حالة الارتياب التي تعيشها البطلة، كما أشار عصام الزهيري إلى استخدام المفارقة لتعزيز العمق الفني.
ولعل أحد أكثر عناصر البنية إثارة للاهتمام هو تعددية الضمائر والمنظور السردي. تنتقل الكاتبة بسلاسة بين ضمير المتكلم في أجزاء الرسالة الداخلية، الذي يمنحنا إطلالة حميمة على هواجس الأم، وضمير الغائب عند سرد الأحداث الخارجية، كما في مشهد طرق ابن الجيران الباب: "طرق بابنا ابن الجيران يطلب يد ابنتنا للزواج لكن زوجي قابله بغضب شديد..." [10]. هذا التذبذب المتعمد في البؤرة السردية لا يوسع من أفق القصة فحسب، بل يخلق تأثيراً نفسياً مماثلاً لتبدل المشاعر بين الانغماس الكلي في الذات والانفصال المؤلم عنها لمشاهدة الكارثة من الخارج. إنه سردٌ يُحاكي تشظي الوعي نفسه، ويذكر بتقنيات إحسان عبد القدوس في الوصف الداخلي.
أما الزمن، فلم يعد مجرد خط متصل، بل تحول إلى فسيفساء من اللحظات الحاضرة المشبعة بالتوتر، والذاكرات العالقة، والرسالة التي تعيد الماضي إلى الحاضر بقوة. هذا التلاعب الزمني، كما في مشهد تبادل "نار الكراهية" الذي ينتهي بصراخ الابنة، يخلق إحساساً بعدم الاستقرار ويساهم في تفكيك التسلسل المنطقي للأحداث، معبراً بذلك عن الانهيار الداخلي للشخصيات وانزياح عالمها عن مداره الصحيح، كما يبرز طاحون في تحليله لتوظيف الزمن.
وبهذا، لا تقدم لنا غادة صلاح الدين قصةً تُقرأ، بل تجربةٌ سرديةٌ تُعاش. إنها تستخدم أدواتها السردية ليس للحكاية فقط، بل لخلق حالة من الاضطراب والترقب والاشمئزاز والشفقة في نفس القارئ، مما يجعل البنية السردية نفسها رسالةً تعكس، بشكل شكلي، الظل النفسي المعقد الذي تتحدث عنه، وتجعلها عملاً يتجاوز الترفيه إلى النقد الاجتماعي العميق.
المدخل الثالث : التحليل النفسي (تشريح الصراع النفسي وآليات الدفاع في الأسرة المنهارة)
إذا كان البناء السردي هو هيكل القصة، فإن التحليل النفسي هو التصوير المقطعي الذي يكشف عن الأورام الخبيثة التي تنهش من الداخل في جسد هذه الأسرة. لا تقتصر أهمية هذا المدخل على سرد المشاعر، بل يتعداه إلى تشريح الآليات الدفاعية الباثولوجية (المرضية) التي تتبناها الشخصيات للتعايش مع واقعها المزري، والكشف عن الديناميكيات النفسية الكامنة التي تقودها نحو الهاوية. وفقاً لرأى محمود حمدون[11]، يعكس النص صراعاً نفسياً مؤلماً يرتقي إلى مستوى الجراحة الأدبية، مع التركيز على الشك الذي يتحول إلى يقين ناقص.
في قلب هذه العاصفة النفسية تقف الزوجة/الأم، التي يمكن فهم حالتها من خلال مفهوم "الصراع اللاواعي" و"القلق الوجودي" كما طوره فرويد في نظريته عن الهيكل النفسي (الهو، الأنا، والأنا العليا). إنها تعيش في حالة من "اليقين الناقص" – وهي حالة أشبه بالتعذيب النفسي حيث يكون الشك هو اليقين الوحيد، مما يؤدي إلى شلل في الأنا (Ego) الذي يحاول التوفيق بين الغرائز البدائية (Id) والقيم الأخلاقية (Superego)
. هذا الصراع لا يدور بين الحب والكراهية لزوجها فحسب، بل بين غريزتين أساسيتين: غريزة حماية ابنتها (الأمومة) وغريزة حماية الذات والكرامة الأنثوية. فشلها في التصديق الكامل أو الإنكار الكامل يضعها في حالة من "الشلل النفسي"، مما يفسر ترنحها بين محاولة إغراء زوجها ("تعطرت أكثر مما تعطرت هي")[12] وبين نهر ابنتها، وهي محاولات يائسة لاستعادة السيطرة على جسدها وعائلتها المسربة من بين يديها.
هنا، يظهر تأثير اللاوعي بوضوح، حيث يدفعها القلق إلى سلوكيات تعكس صراعاً داخلياً يشبه ما وصفه فرويد في "الأنا والـ Id"، حيث يغلب الغريزي على المنطقي.
وخلال هذا، تلجأ إلى آليات دفاع نفسي هشة لم تعد قادرة على حمايتها. نراها تستخدم "الإسقاط" (Projection)، حيث تُسقط مشاعرها الخاصة من قلق وعدم أمان على ابنتها، فتعايرها بـ"كثرة مساحيق التجميل" و"البرفان المثير"[13]، وكأنها تعاقب فيها أنوثتها هي نفسها التي لم تعد قادرة على جذب زوجها. كما نراها تستخدم "التكوين العكسي" (Reaction Formation)، حيث تتحول غيرتها وكراهيتها لابنتها إلى نقد مبالغ فيه تحت غطاء النصح الأبوي، محولة الصراع على الرجل إلى حرب بين امرأتين، في واحدة من أقسى تشوهات العلاقة الأسرية.
هذه الآليات، كما يوضح عمر صوفي[14] في ندوة الفيوم، تعكس نقصاً في الدهشة العاطفية، لكنها تكشف عن عمق الوجع النفسي الذي يجعل الشخصية تبدو حقيقية ومؤثرة.
أما الابنة، فشخصيتها هي الأكثر غموضاً وإثارة للشفقة والريبة معاً. إنها الضحية المحتملة، ولكن سلوكها "المثير" داخل المنزل – سواء كان بريئاً أم متعمداً – يشي بصراع آخر. هل تبحث عن حنان الأب الذي تحول إلى نظرة رجل؟ هل تحاول، بلا وعي، منافسة أمها لاستعادة مكانة ما؟ أم أنها ضحية لـ "اغتراب الجسد" واختلال في صورة الذات نتيجة لانتهاك الحدود الشخصية؟ القصة تترك هذا مفتوحاً، لكن وجودها يخلق ما يعرف في التحليل النفسي الأسري بـ "التثليث المرضي" (Triangulation)، حيث يُسحب الطرف الأضعف (الابنة) إلى صراع الزوجين ليكون كبش فداء أو أداة توازن مريضة، فتنهار بذلك الحدود بين الأدوار الأسرية (زوج/أب، زوجة/أم، ابنة) بشكل كارثي.
هذا التثليث، مستمد من نظريات موراي بوين في علم نفس الأسرة، يعزز الانهيار النفسي الجماعي، كما يظهر في مشاهد الغيرة التي تتحول إلى عداء داخلي.
ولا يمكن إغفال دور الزوج/الأب، الذي يبدو كقوة محركة للشر. تحليله النفسي معقد؛ فهو يجسد "النرجسية المرضية" و "التملك الباثولوجي"، حيث لا يرى الآخرين – حتى ابنته – إلا كامتداد لإشباع رغباته. تحول الزوجة إلى "سجل" يمثل انتهاكاً متكرراً لا لشرفها فحسب، بل لإنسانيتها. تحوله نحو ابنته قد يُقرأ ليس فقط كشهوانية، بل كلحظة انهيار كاملة لـ "الأنا العليا" (Superego) – القيم والأخلاق – وانتصار مطلق لـ "الهو" (Id) – الغرائز البدائية – مما يجعله شخصية مضطربة تسير نحو تدمير الذات وتدمير من حولها بلا ندم.
هذا الانهيار يذكر بدراسات فرويد عن الغرائز المكبوتة التي تنفجر في سياقات أسرية مغلقة، مما يعمق الصورة النفسية للشخصية.
حتى الراوية الصحفية التي تتلقى الرسالة ليست بمنأى عن هذا التشريح. انغماسها في الرسالة وارتباطها العاطفي بها ("كدت أفقد اتزاني") وصولاً إلى الهلوسة البصرية ("طيف خيال يتراءى أمامي") يكشف عن آلية "التعاطف المفرط" التي تتعدى الحدود المهنية لتصبح وسيلة لها – وللقارئ من خلالها – للمشاركة في الصدمة، وكأن الرسالة استدعت صدمة مكبوتة أو خوفاً بدائياً لديها. إنها تمثل صدمة المتلقي وهو يواجه شراً لا يمكن استيعابه، مما يجعل النص نموذجاً للتحليل النفسي الجماعي.
هكذا، لا تقدم القصة مجرد شخصيات تعاني، بل تقدم نموذجاً clinic (سريرياً) مصغراً لأسرة مفككة. كل شخصية هي حلقة في سلسلة الأمراض النفسية المترابطة، حيث تتفاعل آليات الدفاع الفردية لخلق ديناميكية جماعية مدمرة.
التحليل النفسي هنا لا يفسر السلوك فحسب، بل يجعلك تسمع بالفعل "أنفاساً مستعملة" مثقلة بالخوف والذنب والرغبة المكبوتة، أنفاس شخصيات تحاول يائسة أن تتنفس في غرفة مغلقة على فضيحة وصمت، مع روابط إلى واقع اجتماعي أوسع كما في دراسات عن الانهيار الأسري في المجتمعات العربية.
المدخل الرابع: المنظور النسوي – صوت المرأة في مواجهة الظلال الأسرية
بناءً على الثراء النسوي في النص، كما أشار إليه نقاد مثل عمر صوفي[15] في الندوة (الذي يسأل عن سبب وقوع المرأة في فخ الأدب النسائي)، يبرز المنظور النسوي كمدخل أساسي لفهم كيف تحول غادة صلاح الدين الألم الأنثوي إلى صوت مقاوم. في "أنفاس مستعملة"، تكون المرأة – سواء الأم أو الابنة – محور الصراع، ليس كضحية سلبية بل ككائن يحاول استعادة سيادتها على جسدها وهويتها في مجتمع يفرض عليها الصمت. هذا المنظور، مستمد من النظريات النسوية مثل تلك لسيمون دي بوفوار في "الجنس الآخر"، يرى في القصة نقداً للبطريركية التي تحول الأسرة إلى ساحة للتملك الذكوري.
الأم، مثلاً، تمثل المرأة المضطهدة التي تواجه الغيرة كشكل من أشكال التمرد المكبوت، حيث تتحول أنوثتها إلى سلاح دفاعي ("تعطرت أكثر مما تعطرت هي")[16]، لكنها تكشف عن تناقض داخلي بين الرغبة في الحماية والشعور بالتهميش. أما الابنة، فهي تجسيد للجيل الجديد الذي يعاني من إرث التابوهات، حيث يصبح جسدها ساحة للصراع بين الأبوة والشهوانية، مما يعكس كيف تُفرض على المرأة دور الضحية دون صوت. كما يؤكد محمود حمدون[17]، تمزج الكاتبة بين الرؤية النسوية والمفهوم النوعي للمثقف، مما يجعل النص مدخلاً لنقد الثنائيات الجندرية في المجتمع العربي.
هذا المنظور لا يقتصر على الشخصيات الأنثوية، بل يمتد إلى الراوية الصحفية التي تمثل صوت المرأة المثقفة في مواجهة الشر، مما يعزز فكرة أن كسر الصمت هو أول خطوة نحو التحرر. وفقاً لعبير العطار في مداخلتها[18]، يبرز النص جرأة أنثوية في كشف الديناميكيات الاجتماعية، مما يجعله عملاً يدعو إلى قراءة نسوية تتجاوز السطحي إلى العميق.
المدخل الخامس: ظلال عبد القدوس (استلهام التراجيديا الأسرية والجرأة في كسر التابو)
لا يولد أي عمل أدبي من فراغ، بل يحمل في ثناياه أصداءً من سابقيه. وفي حالة قصة "أنفاس مستعملة"، يبدو التأثير الأبرز هو الظل الطويل لعميد الأدب الواقعي الاجتماعي، إحسان عبد القدوس، وتحديداً قصته الشهيرة "العذراء والشعر الأبيض". هذا التأثير لا يتعلق بالتقليد، بل بـ "الحوار البيني" (Intertextuality) الذي تستحضر فيه غادة صلاح الدين إرثاً أدبياً لتطويره وتقديمه عبر عدسة معاصرة أكثر قتامة وجرأة، كما ناقش طارق عبد الفتاح في فيديو "فن المحاكاة"[19].
في "العذراء والشعر الأبيض"[20]، يبني إحسان عبد القدوس دراماه على أساس صراع المرأة مع جسدها ومجتمعها[21]. بطلته، "دولت"، تعاني من عقم يجعلها في صراع وجودي، يدفعها لاقتراف خطيئة الخيانة كوسيلة يائسة لتحقيق حلم الأمومة. هنا، يصوّر عبد القدوس الخيانة[22] لا كفعل إثم بحت، بل كنتاج لضغوط نفسية واجتماعية هائلة، مخلّفاً وراءه دوامة من الألم والندم. لقد قدّم لنا شخصية أنثوية معقدة، ليست شريرة ولا قديسة، بل إنسانة محطمة تقع في الخطيئة بدافع الفقدان والألم.
هذه الرؤية الإنسانية العميقة للمشاعر المظلمة والصراعات المحرمة هي بالضبط ما تلتقطه غادة صلاح الدين وتعيد إنتاجه في "أنفاس مستعملة"، لكنها تدفع به إلى حافة الهاوية. إذا كان صراع "دولت" يدور حول الخيانة لتحقيق الحياة (الإنجاب)، فإن صراع شخصيات "أنفاس مستعملة" يدور حول الفعل الذي يحقق الموت المعنوي والجسدي للأسرة. لقد انتقلت بنا غادة من تابو الخيانة الزوجية إلى تابو أقسى وأكثر حظراً: زنا المحارم.
التشابه بين العملين لا يكمن في الحبكة، بل في الجرأة النفسية والاجتماعية. كلاهما يغوص في أعماق النفس البشرية في لحظات انهيارها، وكلاهما لا يخاف من فضح التناقضات والانفصام داخل الأسرة "المحافظة" ظاهرياً. كلاهما يستخدم العلاقات الأسرية كمسرح للتراجيديا، حيث تتحول أقرب الروابط إلى ساحة للصراع والرغبة والدمار. تقنية "الوصف الداخلي" (Internal Monologue) التي برع فيها عبد القدوس لكشف هواجس بطله، نجدها متطورة في نص غادة عبر الرسالة التي تعمل كمونولوج داخلي طويل، يكشف عن أعماق الأم المُتألمة.
غير أن الاختلاف الجوهري هو في حدة النهاية وطبيعة التابو. بينما تحمل "العذراء والشعر الأبيض" شيئاً من الكاثارسيس (التطهير) أو على الأقل التكفير، تأتي "أنفاس مستعملة" أكثر قسوة ولا هوادة فيها. النهاية هنا مفتوحة على جريمة وشيكة وانهيار تام، مما يعكس رؤية أكثر تشاؤمية للواقع المعاصر.
لقد تخطت غادة خط الواقعية الاجتماعية التي انتمى إليها عبد القدوس إلى منطقة أقرب إلى "الواقعية القاتمة" (Gritty Realism) أو حتى "التراجيديا النفسية"، حيث الشر ليس دائماً خارجياً، بل يمكن أن ينبت في أكثر الأماكن قداسةً: البيت.
وهكذا، فإن قراءة "أنفاس مستعملة" تحت ظل "العذراء والشعر الأبيض" لا تظهر تأثيراً مباشراً فحسب، بل تظهر تطور المسار. غادة صلاح الدين لا تستعير من إحسان عبد القدوس موضوعه فقط، بل تستلهم جرأته في الخوض في المحظور، ثم تمضي به إلى أقصى عواقبه المنطقية. إنها تكرّم الإرث الواقعي بإضافة طبقة جديدة من التعقيد النفسي والاجتماعي عليه، مثبتة أن التابوهات التي كسرها جيل الرواد ما زالت حية، لكنها تتطلب اليوم مقاربة أكثر قتامة وعدمية لسبر أغوارها.
المدخل السادس: صدى مطاوع (الواقعية الإنسانية ورسالة القارئ كجسر إلى العالم اللامرئي)
بعيداً عن الأبراج العاجية للأدب، تنزل بنا قصة "أنفاس مستعملة" إلى الشارع وإلى صميم البيوت المصرية، وذلك بفضل استعارتها الواعية لأسلوب أحد أكثر الكتاب الصحفيين قرباً من نبض الناس: عبد الوهاب مطاوع. لم يكن مطاوع مجرد كاتب يعرض مشاكل القراء، بل كان صديقاً غير مرئي، وحالماً جماعياً يستمع إلى هموم الناس ويعيد صياغتها بقلم يجمع بين البلاغة والرحمة. هذا الإرث الإنساني الفريد هو ما تستدعيه غادة صلاح الدين بذكاء لتعطي قصتها مصداقية مطلقة وإحساساً بالواقعية يصل إلى حد الألم.
يكمن التشابه الأكبر في البنية الأساسية للنص: رسالة القارئ. لقد استعار عبد الوهاب مطاوع جنس الرسالة الشخصية من بريد القراء وحوّله إلى فن صحفي وأدبي راق. في "أنفاس مستعملة"، تذهب غادة إلى أبعد من ذلك، فتجعل من الرسالة هيكلاً سردياً كاملاً ومحركاً للأحداث. ليست الرسالة هنا مجرد استهلال، بل هي قلب النابض للقصة، والنافذة التي نطل منها على عالم أسري مغلق ومظلم. هذا الاختيار ليس تقنياً فحسب، بل هو إحياء لروح مطاوع الذي آمن بأن الحكايات الحقيقية الأكثر إثارة وتشويقاً تكمن في تلك الرسائل المكتوبة بأنامل مرتجفة، المحملة بالألم والأسرار.
الأمر الذي يتقنه مطاوع، وتستكمله غادة، هو فن التلخيص المأساوي. ففي مساحة محدودة (عمود صحفي أو قصة قصيرة)، يتم اختزال مأساة إنسانية معقدة إلى بضع كلمات مركزة ومحكمة. لاحظ الفرق بين الطريقتين:
عند مطاوع: كان يلخص معاناة القارئ في بضع فقرات ثم يقدم نصيحته.
عند غادة: تترك الرسالة تحكي بنفسها، دون تعليق مباشر، مما يخلق توتراً درامياً أكبر. كاتبة الرسالة في القصة، مثل قراء مطاوع، تبحث عن منفذ، عن أذن تسمعها. الصحفية المستقبلة للرسالة (الراوية) تضع القارئ في مكان مطاوع نفسه، محوّلة إياه من متلقٍ إلى مستمع شاهد على المأساة، مشاركاً في عبئها النفسي.
ولكن بينما كان مطاوع يقدم "بكلمة طيبة" – كما كان عنوان أحد كتبه – نوعاً من العلاج والمواساة والمنطق، نجد أن غادة تقدم صدمة بلا عزاء. إذا كان مطاوع يمسح على رأس القارئ ويقدم حلاً أو كلمة تفاؤل، فإن غادة تترك القارئ في مواجهة الشر المطلق دون أي وسيط. هذا ليس نقصاً، بل هو تطور مأساوي للأسلوب يناسب قسوة الموضوع. لقد أخذت غادة الواقعية الإنسانية لمطاوع وحمّلتها ثقلاً وجودياً أشد قتامة، حيث تختفي الإجابات السهلة ولا يبقى سوى صرخة استغاثة تتردد في فراغ، تماماً كما قد يحدث في الواقع حين تكون الجريمة مثالية.
وهكذا، فإن استحضار روح عبد الوهاب مطاوع في القصة هو استحضار للصدق الإنساني قبل أي شيء. إنه يمنح النص شرعيته الواقعية ويجعله مقنعاً إلى أقصى درجة. غادة صلاح الدين لا تستعير من مطاوع شكلاً فحسب، بل تستدعي الثقة الغريزية التي كان القارئ يمنحها له، لتسكبهما في بوتقة أدبية بحتة. إنها تكتب بقلم مطاوع، لكنها ترى بعين أكثر تشاؤماً، وكأنها تقول: ها هي هموم الناس التي كان يرويها، ها قد أصبحت أكثر قتامة وتعقيداً، ولم تعد الكلمة الطيبة وحدها كافية، فالجروح أصبحت أعمق من أن تلتئم بسرعة.
المدخل السابع: اختراق المحرّم (تشريح تابو زنا المحارم بين الصدمة والواقعية النقدية)
إذا كانت التابوهات هي الجدران غير المرئية التي تحدد ما يمكن قوله وما يجب إسكاته، فإن قصة "أنفاس مستعملة" تقوم بعملية اختراق مدوٍّ لأحد أقدس هذه المحرمات وأكثرها حمايةً في اللاوعي الجمعي: تابو زنا المحارم.
ولقد كان هذا التابو في الأدب العربي الكلاسيكي[23] مخفياً تحت رموز وصمت اجتماعي، مما يجعل جرأة غادة صلاح الدين تطوراً معاصراً يواجهه مباشرة.
لكن هذا الاختراق لا يأتي بهدف الإثارة المجانية أو الصدمة لأجل الصدمة، بل يأتي في إطار واقعية نقدية متقشفة وقاسية، تهدف إلى كشف الآليات النفسية والاجتماعية التي تسمح بإنبات مثل هذا الشر في قلب المكان المُفترض أن يكون الأكثر أماناً: الأسرة. كما أكد محمد دياب غزاوي في الندوة[24]، يعتمد النص على لغة آسرة لكسر التوقعات، مما يجعل التابو أداة للتشريح لا للإثارة.
الجرأة هنا لا تكمن في مجرد التلميح إلى الفعل، بل في تشريح السياق الذي يسبقه والذي يجعله ممكناً. الكاتبة لا تقدم لنا لحظة الانتهاك ذاتها، بل تقدم لنا "التربة الخصبة" التي نمت فيها بذور هذا الداء. إنها تركز على تحليل "ما قبل الجريمة": ذلك المناخ الأسري المسموم القائم على التملك المرضي، انهيار الحدود بين الأدوار، والصراع الأنثوي على جسد محطّم. النص لا يهتم بـ "كيف" حدث ذلك بقدر ما يهتم بـ "لماذا" حدث، مُحولاً القصة من مجرد حكاية عن جريمة إلى دراسة حالة لانهيار نظام أسري بأكمله، مع روابط إلى الواقع الاجتماعي حيث يُكتم التابو تحت ثقافة الصمت كما في الدراسات عن الإساءة الأسرية في المجتمعات العربية.
من الناحية النفسية، يعالج النص التابو ليس كخطيئة دينية فحسب، بل كـ "انتهاك للنسق الرمزي" للحضارة، مستمداً من أفكار ليفي شتراوس في "الأسطورة والفكر". إنه تحطيم لأعمق الممنوعات التي تقوم عليها الثقافة الإنسانية: حرمة الأبوة والبنوة. شخصية الأب هنا ليست مجرد شخص فاسد، بل هو تجسيد لـ "الأب المنحل" الذي ينهي وظيفته الرمزية كحامٍ وكضابط للقانون، فيتحول إلى تهديد مباشر. هذا الانهيار يخلق تشوّهاً في الهوية لدى الابنة، ويحول الأم من شريكة إلى منافسة وخصم في مشهد مأساوي من "التثليث المرضي" (Triangulation)، مع إضافة سياق تاريخي من الأدب الكلاسيكي حيث كان التابو يُعاقب بالصمت لا بالكشف.
اجتماعياً، ترفض الكاتبة فكرة أن هذه الظاهرة هي "شذوذ" معزول. بل، من خلال تركيزها على حيرة الأم وشكوكها التي لا تجد صدى، تُلمّح إلى ثقافة الصمت التي تغلف مثل هذه الجرائم، كما في دراسات عن الإساءة الجنسية في العائلات العربية حيث يُفضل الإنكار للحفاظ على "الشرف". إن "اليقين الناقص" الذي تعيشه الأم هو استعارة قوية للآلية الاجتماعية الأوسع التي تفضل إنكار الشر أو التغاضي عنه.
الصحفية التي تتلقى الرسالة تمثل صوت الضمير المجتمعي الحائر، الذي يكتشف الجريمة لكنه يعجز عن فعل أي شيء، مما يضاعف من الإحساس بالعجز والاشمئزاز، ويذكر بكيف كان التابو في الأدب الكلاسيكي مخفياً تحت الرموز لتجنب الصدمة الاجتماعية.
فنياً، تتجنب الكاتبة السقوط في فخ "التوظيف الاستغلالي" للتابو. فهي لا تقدم وصفاً جسدياً صريحاً، بل تعمل على "تأثيم الأجواء" عبر اللغة. استخدام تعابير مثل "يضع بصماته كل يوم على جسدي"، "تحولت إلى سجل"، "شعور بالغيرة العدائية" – كلها تحول الجسد إلى ساحة حرب وتجرد العلاقة الحميمية من إنسانيتها لتصبح فعلاً من أفعال التملك والتخريب. اللغة نفسها تصبح أداة لكشف الفعل البشع دون الحاجة إلى تصويره، مما يحول القوة الصادمة للقصة من الصورة إلى الإحساس النفسي، وهو ما يبقى مع القارئ لفترة أطول، مع إضافة أن هذا يعكس تطوراً عن الكلاسيكي حيث كان التابو يُلمح لا يُكشف.
في النهاية، "أنفاس مستعملة" لا تكسر التابو لتصدمنا، بل لتستفزنا فكرياً ونفسياً. إنها تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة الشر: هل هو دخيل على الأسرة، أم أنه قد ينبت من داخلها عندما تتحول إلى نظام مغلق خانق؟ بطرحها هذه الأسئلة، ترفض الكاتبة الدور التقليدي للأدب كمواسٍ، وتقدمه كـ مرآة مكبرة لواقع مؤلم نرفض عادةً النظر إليه، مؤكدة أن كسر الصمت هو أول خطوات المواجهة، خاصة في سياق عربي حيث يظل التابو مصدراً للعزلة الاجتماعية.
خاتمة نقدية: أنفاسٌ ثقيلةُ الوطأة ... وأدبٌ يجترحُ أسئلته من أعماق المحظور
لا تكتفي قصة "أنفاس مستعملة" لغادة صلاح الدين بأن تكون عملاً أدبياً متميزاً فحسب، بل تؤسس من خلالها الكاتبة لـ مشروع سردي جريء يضع إصبعه على الجرح النابض في جسد المجتمع والأسرة العربية. لقد نجحت هذه القصة القصيرة، عبر بنائها المحكم وتحليلها العميق، في أن تكون أكثر من مجرد حكاية؛ لقد أصبحت ظاهرة أدبية ونفسية تستدعي التوقف الطويل والتأمل العميق، كما أبرزت الندوات والمراجعات الإضافية.
تأتي قوة النص، أولاً وأخيراً، من البناء السردي المتقن الذي حللناه. فلم تكن تقنيات التشويق والمفارقة وتشظي الضمير مجرد زخارف أسلوبية، بل كانت أدوات فعّالة لخلق حالة من القلق الوجودي الموازي للقلق الذي تعيشه الشخصيات. لقد نجحت غادة صلاح الدين في تحويل البنية السردية نفسها إلى مرآة عاكسة للانهيار الداخلي.
ولعل العمق الأكبر الذي أضافته هذه الدراسة هو ذلك الغوص في الأبعاد النفسية الكابوسية للشخصيات. فمن خلال تشريح آليات الدفاع المرضية وتحليل ديناميكية التثليث الأسري المدمر، يتبين لنا أن القصة تتعدى سرد جريمة إلى تقديم تشخيص نفسي لأسرة بكاملها.
لقد حوّلت الكاتبة التابو من مجرد "فعل محرم" إلى عرض مرضي له جذوره وأسبابه.
ولا يمكن فصل هذا كله عن الحوار الخفي مع الأصول الأدبية التي تأسست عليها. لقد أظهرت الدراسة كيف أن استلهام جرأة إحسان عبد القدوس وواقعية عبد الوهاب مطاوع لم يأتِ في صورة تقليد، بل في صورة تطوير وتعميق. لقد أخذت غادة مشعل الواقعية النقدية من سابقِيها وحمّلته بهماً وجودية معاصرة أكثر قتامة.
أما في تناولها للتابو المحوري، فقد ارتقت الكاتبة إلى مستوى فني وأخلاقي رفيع. فبدلاً من استغلال الصدمة، قدمت تحليلاً للصدمة. لقد كانت جرأتها جرأة المفكّك النقدي، لا جرأة المُهيّج الحسّي، مما منح النص مصداقية وقوة.
ختاماً، فإن "أنفاس مستعملة" هي أكثر من مجموعة كلمات على ورق؛ إنها صيحة تحذير، وندبة نفسية في جبين المجتمع، وعلامة فارقة في مسيرة الكاتبة كقاصة متمكنة. إنها نص لا يقدم إجابات، بل يفتح جروحاً أسئلة عن طبيعة الشر، وحدود الأدب، ومسؤولية الكاتب.
وهي بهذا، تثبت أن الأدب الحقيقي ليس ذلك الذي يُجمّل الحياة، بل ذلك الذي يغوص في أعماقها المظلمة ويعود منها بأنفاس ثقيلة، مستعملة، لكنها قادرة على هزّ يقيننا وإجبارنا على النظر في المرآة.
المصادر والمراجع
المصادر
(1) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. القاهرة: دار المفكر العربي.
(2) غادة صلاح الدين. أنفاس مستعملة. موقع نخيل عراقى: https://2u.pw/TylF0D
(3) غادة صلاح الدين. (4 نوفمبر, 2024). غادة صلاح الدين (السيرة الذاتية). صفحة نادى السكة الحديد على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/1BM97WECjT/
المؤلفات العربية
(1) احسان عبد القدوس. (2000). العذراء والشعر الأبيض (مجموعة قصصية). القاهرة: المصرية اللبنانية.
المؤلفات الأجنبية
(1) G. J. H. van Gelder. (2005). Close Relationships: Incest and Inbreeding in Classical Arabic Literature. Bloomsbury Academic,. https://books.google.com.eg/books?id=SsAGdWNZt6MC
مواقع الانترنت
(1) إسراء إمام. (19 مارس, 2013). من أفلام الماضي: “العذراء والشعر الأبيض”.. جرأة القصة وعقم الفيلم! موقع عين على السينما: https://2u.pw/FIFxI
(2) حاتم سلامه. (20 مارس, 2023). قراءة في المجموعة القصصية (أنفاس مستعملة). حساب حاتم سلامه على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/165wBMJmCN/
حاتم سلامة. (4 ابريل, 2023). أنفاس مستعملة.. حينما ينصهر الإبداع بالنفس والحياة. موقع مركز التدوين والتوثيق: https://www.qelada.org/bdc/blogs/hs/anfas-mst-mlt-hynma-ynshr-alabda-balnfs-walhyat
(3) طارق عبدالفتاح. (21 أكتوبر, 2023). فن المحاكاة"مناقشة أنفاس مستعملة"للكاتبة/ غادة صلاح الدين وطارق عبدالفتاح. قناة نور المعرفة على يوتيوب: https://youtu.be/fKgfzPY-mNo?si=tI7M6ObFGLh9uYZ4
(4) عبير العطار. (6 سبتمبر, 2024). مداخلة. حساب عبير العطار على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/1WDnw2LjmU/
(5) محمود حمدون. (3 فبراير, 2023). مرور عابر على - أنفاس مستعملة. الحوار المتمدن (7511). https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=782277
(6) محمود حمدون. (25 يناير, 2024). «أنفاس مستعملة» لغادة صلاح الدين.. مزج بين رؤية نسوية ومفهوم المثقف النوعي. موقع حانة الشعراء: https://2u.pw/InbwA
(7) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). قصور الثقافة تناقش المجموعة القصصية "أنفاس مستعملة'' للكاتبة غادة صلاح الدين. بوابة الاهرام. https://gate.ahram.org.eg/News/4607128.aspx
(1) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. القاهرة: دار المفكر العربي.
(2) غادة صلاح الدين. (4 نوفمبر, 2024). غادة صلاح الدين (السيرة الذاتية). صفحة نادى السكة الحديد على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/1BM97WECjT/
(3) حاتم سلامه. (20 مارس, 2023). قراءة في المجموعة القصصية (أنفاس مستعملة). حساب حاتم سلامه على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/165wBMJmCN/
حاتم سلامة. (4 ابريل, 2023). أنفاس مستعملة.. حينما ينصهر الإبداع بالنفس والحياة. موقع مركز التدوين والتوثيق: https://www.qelada.org/bdc/blogs/hs/anfas-mst-mlt-hynma-ynshr-alabda-balnfs-walhyat
(4) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). قصور الثقافة تناقش المجموعة القصصية "أنفاس مستعملة'' للكاتبة غادة صلاح الدين. بوابة الاهرام. https://gate.ahram.org.eg/News/4607128.aspx
(5) محمود حمدون. (3 فبراير, 2023). مرور عابر على - أنفاس مستعملة. الحوار المتمدن (7511). https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=782277
محمود حمدون. (21 سبتمبر, 2023). "أنفاس مستعملة" مرور عابر على مجموعة قصص استثنائية لكاتبة استثنائية. حساب محمود حمدون على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/1EoSd36pj6/
(6) حاتم سلامة. (4 ابريل, 2023). مرجع سابق
(7) تشابه الأيام مازلت اعاني منه في بلاط صاحبة الجلالة حيث أعمل من ربع قرن أو يزيد ، عاصرت الكثير من المشاكل والمواقف الكاشفة، كم تعرت أمامي نفوس بلا حياء وقد تنقلت بين صفحات الجريدة وأبوابها، اكتب عن الكرة والملاعب وأطالع بريد القراء بين الحين والآخر، كان المساء مختلفاً في ذلك اليوم، كنت قد انتهيت من آخر رشفة من فنجان قهوتي وأمسكت بعيني رسالة ضلت طريقها إلى بريدي، طالعت بعيني وكل جوارحي ما طاش له صوابي، كدت أفقد اتزاني، مازال الإنسان لغزًا مهما تظاهر بالقيم والأخلاق، ضمت الرسالة امرأة وفتاة ورجل. كتبت المرأة :
أنا زوجة لرجل أكثر من اللازم ، يضع بصماته كل يوٍم على جسدي وأنا استمتع بذلك حتى تحولت إلى سجٍل يخط فيه بقلمه كل يوم بضعة أسطر حتى امتلأ ولم يعد لي طاقة وفقدت القدرة على مجاراته والصمود أمام رغباته، تمنعت في البداية فزاده الأمر اصرارًا ولم يهدأ بل زادته المواقع الإباحية اشتعالًا ، وبمرور الوقت خفتت رغباته وكل يوم تعلن علامات الأنوثة عن نفسها بقوة لدى ابنتنا ابنة العشرين،كثيرًا ما كان يحنو عليها، الأبنة الوحيدة المدللة، حتى أصبح الأقرب إليها مني، تستشيره في كل شئونها، بدا الأمر طبيعياً ...
غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. القاهرة: دار المفكر العربي. ص 63وعلى الغلاف الخلفى
(8) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). مرجع سابق
(9) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. ص 63
(10) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. ص 65
(11) محمود حمدون. (21 يناير, 2024). "أنفاس مستعملة" إعادة قراءة. حساب محمود حمدون على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/171R2J8XBJ/
محمود حمدون. (25 يناير, 2024). «أنفاس مستعملة» لغادة صلاح الدين.. مزج بين رؤية نسوية ومفهوم المثقف النوعي. موقع حانة الشعراء: https://2u.pw/InbwA
(12) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. ص 64-65
(13) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. ص 64
(14) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). مرجع سابق
(15) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). مرجع سابق
(16) غادة صلاح الدين. (2023). أنفاس مستعملة. ص 64-65
(17) محمود حمدون. (21 يناير, 2024). "أنفاس مستعملة" إعادة قراءة. حساب محمود حمدون على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/171R2J8XBJ/
محمود حمدون. (25 يناير, 2024). «أنفاس مستعملة» لغادة صلاح الدين.. مزج بين رؤية نسوية ومفهوم المثقف النوعي. موقع حانة الشعراء: https://2u.pw/InbwA
(18) عبير العطار. (6 سبتمبر, 2024). مداخلة. حساب عبير العطار على الفيسبوك: https://www.facebook.com/share/p/1WDnw2LjmU/
(19) طارق عبدالفتاح. (21 أكتوبر, 2023). فن المحاكاة"مناقشة أنفاس مستعملة"للكاتبة/ غادة صلاح الدين وطارق عبدالفتاح. قناة نور المعرفة على يوتيوب: https://youtu.be/fKgfzPY-mNo?si=tI7M6ObFGLh9uYZ4
(20) احسان عبد القدوس. (2000). العذراء والشعر الأبيض (مجموعة قصصية). القاهرة: المصرية اللبنانية.
(21) دولت فى قصة إحسان عبد القدوس لم تحب أحدا سوى نفسها التى يمكنك أن تصفها بأنها نفس غير سوية ، يمكنها ببساطة أن تعلم وتشجع علاقة بين زوجها وابنتها المتبناه فى سبيل أن تحتفظ بكليهما إلى جانبها وحولها ، فتجدها فى نهاية القصة تعلم كل شىء مما دار بين بثينة ومحمد بل وتقترح حلول لذلك الوضع الغريب المنفر ، ومن هنا تأتى جرأة إحسان عبد القدوس الذى عرض الحالة بكل جوانبها وإرتضى أن يواجه المجتمع فى سطوره بنموذج شخصية مثل دولت يوجد منها بين صفوفه الكثير.
(22) المخرج أو السيناريست بتقديم فكرة لا تتفق وبأى شكل مع مضمون وروح فكرة العمل الأدبى، فأنا لا أعتبر ذلك سوى تجنى فى كل حال من الأحوال على هذا العمل وعلى حالته الحقيقية ومضمونه الفكرى.
وهذا ما حدث مع قصة “العذراء والشعر الأبيض” عن حسان عبد القدوس، والتى قدم فيها حالة مركبة شديدة التعقيد تحوى بين سطورها قدر كبير من النضج والجرأة والقدرة على المواجهة، بينما جاء الفيلم المأخوذ عن نفس القصة ليجهض كل تلك المعانى وبكل بساطة بشكل مستفز ومنفر يجعلك تتساءل لماذا تم إنتاج ذلك الفيلم من الأساس؟
إسراء إمام. (19 مارس, 2013). من أفلام الماضي: “العذراء والشعر الأبيض”.. جرأة القصة وعقم الفيلم! موقع عين على السينما: https://2u.pw/FIFxI
(23) G. J. H. van Gelder. (2005). Close Relationships: Incest and Inbreeding in Classical Arabic Literature. Bloomsbury Academic,. https://books.google.com.eg/books?id=SsAGdWNZt6MC
(24) مصطفى طاهر. (4 نوفمبر, 2023). مرجع سابق