الفلسفة والأدب… حين يتقاطع العقل مع الجمال
منذ أن عرف الإنسان الكتابة لم يفترق الأدب عن الفلسفة يومًا فالأدب هو فنّ التعبير عن التجربة الإنسانية بلغة الصورة والعاطفة بينما الفلسفة هي فنّ التفكير في تلك التجربة بلغة السؤال والتحليل ورغم اختلاف الأدوات يلتقي الاثنان عند نقطة واحدة فهم الإنسان ومعنى وجوده
الأدب… حين يصبح السؤال محور الحكاية
الأدب ليس مجرد سرد ممتع بل مساحة للتأمل وإثارة الفضول ولهذا يقول الأديب المصري نجيب محفوظ في كتابه ( أصداء السيرة الذاتية )
( الفن العظيم هو ذاك الذي يطرح الأسئلة لا الذي يقدّم الإجابات )
بهذه الكلمات يربط محفوظ بين الأدب والفلسفة فكل نص عظيم يبدأ من دهشة… ومن سؤال يبحث عن معنى
الفلسفة بصوت امرأة… أحلام مستغانمي نموذجًا
برزت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي كواحدة من أهم الأصوات الأدبية التي تمزج بين الشعرية والتفكير العميق تقول في روايتها ( ذاكرة الجسد )
( نحن لا نتغيّر حين نكبر… نحن فقط نصبح أكثر وضوحًا )
وهذه العبارة تحمل بعدًا فلسفيًا حول الزمن والنضج، وفهم الذات لكنها مكتوبة بأسلوب أدبي يجعل الفكرة نابضة بالحياة
وتقول في كتابها ( الأسود يليق بكِ )
( كل شيء يبدأ بفكرة… والفكرة تبدأ بسؤال )
بهذه الجملة تقدّم مستغانمي جوهر الفلسفة فهي تؤمن أن كل معرفة وكل كتابة وكل وعي… يبدأ من سؤال صغير يفتح أبوابًا كبيرة
العقّاد… حين تتحول الفكرة إلى نص
يُعدّ المفكر المصري عباس محمود العقّاد أحد أبرز الأدباء الذين جمعوا بين الفكر والخيال ففي كتابه ( الفلسفة القرآنية ) يقول
( الفلسفة ليست ترفًا للعقل بل ضرورة لفهم الوجود وإدراك حقيقة الإنسان )
وفي كتابه ( ساعات بين الكتب ) يؤكد
الكاتب الحق هو الذي يترك في قارئه فكرة لا مجرد متعة
وهذا الربط بين الفكرة والمتعة الأدبية هو ما يجعل العقّاد نموذجًا حيًّا لتداخل الفلسفة بالأدب
لماذا يتداخل الأدب مع الفلسفة ؟
هناك أسباب تجعل العلاقة بينهما علاقة طبيعية لا يمكن فكّها
1 كلاهما يبحث عن الإنسان
الأدب يروي تجربته والفلسفة تحلّل تلك التجربة
2 الأدب يعطي الفلسفة لغة وصورًا
فالفكرة المجردة تحتاج إلى صورة تجعلها قريبة من القارئ
3 والفلسفة تمنح الأدب عمقًا ورؤية
فالنص الذي يخلو من تفكير يفقد أثره مهما كان جميلًا
4 كلاهما يوسّع الوعي
الأدب عبر العاطفة والخيال والفلسفة عبر السؤال والتحليل
الأدب العربي المعاصر… فكرٌ يلبس ثوب الحكاية
لم تعد الأسئلة الوجودية محصورة في كتب الفلاسفة فقط بل أصبحت جزءًا من الرواية والمقال والشعر فالكتاب العرب اليوم يناقشون في أعمالهم مفاهيم الحرية الهوية الزمن الذاكرة والصراع الإنساني وهي كلها أسئلة فلسفية تظهر للقارئ في شكل قصص وشخصيات ومشاعر
الفلسفة تمنح الأدب جذور الفكرة
والأدب يمنح الفلسفة جناحي اللغة
وحين يجتمع الاثنان يتشكل النص الذي يبقى…
النص الذي يخاطب العقل والقلب معًا
ويجعل القارئ يفكّر ويحسّ ويرى العالم من زاوية جديدة
