الأحد 28 أبريل 2024 مـ 11:07 مـ 19 شوال 1445 هـ
جريدة النور
نادي النصر الرياضي
نادي النصر الرياضي
رئيس التحرير محمد حلمي

القواعد الشكلية في العقود الإلكترونية

الشكلية وسيلة من وسائل الصيانة القانونية عرفتها أقدم النظم القانونية وهي لاتزال موجودة في أحدثها إلا أنها تكون بمفهوم متطور.
فقد ظهرت الشكلية في النظم البدائية نتيجة لولع الأقدمين ولعاً فطرياً متأصلاً في النفوس بتجسيد المعنويات وإعطائها كياناً يدرك بالسمع أو بالرؤية يرمزون به إليها لهذا كانت الشكلية (رمزية) تنطوي على حركات خاصة تستجيب لغرائز الإنسان.
وقد كان القانون الروماني في العصر القديم أرضاً خصبة لهذه الشكلية فهذا القانون لم يكن يعرف من التصرفات القانونية إلا ما كان له شكل قانوني إذ أن انعدام الشكل أمر كانت تنفر منه طبيعة الرومان الأقدمين.
ثم بعد ذلك بدأ الرومان يهجر الشكلية شيئاً فشيئاً الى أن وصلوا الى تحجيمها في نطاق ضيق جداً.
كما أن الشكلية في كل القوانين (المعاصرة) – إن صح التعبير – ما هي إلا استثناء أما الرضائية فهي الأصل في هذه القوانين، ومعنى ذلك أن هناك بعض العقود يجب أن تستوفى الشكلية وإلا عدت باطلة، ومن جهة أخرى فإن التطور التقني الهائل والمتسارع في عالم اليوم الذي لا يعرف له حدود إلا ما شاء الله ، يلح على ضرورة التخلي عن الأساليب التقليدية في الحياة عموماً والاتجاه الى إشباعها عن طريق الحاسوب والتحاور عن طريق تلك الأجهزة وما توفره من تقريب المسافات وإلغاء الحدود وتخطيها وعدم الاعتراف بها، وسرعة تلك الأجهزة وسهولة استخدامها . أدى كل ذلك الى ظهور عقود جديدة عرفت بالعقود الإلكترونية.
فما هي تلك العقود؟
وما مدى إمكانية التمسك بالشكلية التقليدية المعروفة في العقود، وهل إن الشكلية الإلكترونية يمكن أن تحل محل الشكلية التقليدية للتغلب على الصعوبات المتعلقة بإنشاء العقود، أما الشكلية اللازمة لإثبات العقد، فسوف نستبعدها من نطاق البحث وذلك لعدم أثارتها المشاكل مثلما تثيره شكلية الانعقاد ثم إن شكلية الانعقاد إذا روعيت بقدر من العناية وتم ضبط مواصفاتها الإلكترونية فإن الإثبات الإلكتروني سيصبح ممكناً أيضاً، وبتعبير آخر إن شكلية الإثبات في العقود ماهي إلا نتيجة لشكلية الانعقاد.
العقد بصورة مبسطة وموجزة هو اتصال الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه أو هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانونى، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو إنهاءه بعد ذلك وبعد ما ظهر من وسائل تقنية متطورة يصح التساؤل عن تعريف العقد الإلكتروني، وهل أنه مرادف للعقد التقليدي؟
نجد أن بعض التشريعات المنظمة للعقود والمعاملات الإلكترونية قد أوردت تعاريف لهذا العقد، فقد عرفه الفقه بانه
(الاتفاق الذي يتم انعقاده بوسائل إلكترونية كلياً أو جزئياً)
وعرفه مشروع قانون التجارة الإلكترونية المصري بأنه كل عقد تصدر فيه إرادة أحد الطرفين أو كليهما أو يتم التفاوض بشأنه أو تبادل وثائقه كلياً أو جزئياً عبر وسيط إلكتروني) .
مما تقدم نستطيع القول إن العقد الإلكتروني هو ذلك العقد الذي ينعقد بوسائل إلكترونية كلياً أو جزئياً حسب تعبير المشرع الأردني في حين إن المشرع المصري عد العقد الكرتونيات لمجرد صدور إرادة أحد الأطراف أو كليهما عبر وسيط إلكتروني، أو حتى لمجرد التفاوض عبر وسيط إلكتروني، معنى ذلك أن العقد حتى وإن تم بأساليب تقليدية فإنه يعد الكترونياً طالما أن المفاوضات السابقة له تمت الكترونياً .
مبدأ الشكلية في التعاقد
هذا المبدأ هو مبدأ عام في الشريعة والقانون، ولكن تختلف أوجه الأخذ به أي هل أنه أصل والاستثناء الرضائية أم العكس.
الشكلية في القوانين
الأصل في القانون كما هو في الشريعة الإسلامية أن الأصل في العقود الرضائية ومبدأ الشكلية ما هو إلا استثناء ، وإذا اشترط القانون شكلاً معيناً فإنه يهدف منه تنبيه المتعاقدين الى خطورة ذلك التصرف المقدمين عليه ومبدأ الشكلية معروف في نطاق العقد ، إلا أنه ينبغي عدم الخلط بين الشكل الذي يفرضه القانون لإثبات العقد وبين الشكل الى يفرضه لتكوين العقد ، فإذا فرض القانون شكلاً معيناً لإثبات العقد، فإن ذلك لا يمنع من أن ينعقد ذلك العقد رضائياً ويكون صحيحاً ومستوفيا لأركانه إذا انعقد بأية صورة كانت وعليه نستبعد شكلية الإثبات من نطاق البحث ونبقى على شكلية الانعقاد وبعد هذا فهل يتفق العقد الإلكتروني مع الشكلية ؟
فإذا كان الجواب بنعم فكيف يمكن الوصول إلى تحقيق الانسجام والتوافق بين تلك الشكلية وبين الوسائل التقنية السريعة المتباعدة في الغالب لانعقاد العقد، خصوصاً إذا ما اشترط القانون أن تستوفى تلك الشكلية كركن من أركان الانعقاد نجد أن الشكلية إن كانت مفروضة بنص القانون كركن من أركان الانعقاد، لا تعدوا أن تكون أما لتنبيه المتعاقدين الي خطورة التصرف الذي يقدمان عليه أو مجرد حماية للغير ولا يهم بعد ذلك نوع الشكلية هل أنها تتجسد بالكتابة فقط من قبل المتعاقدين كما في عقد الصلح أو العقد الذى يقرر مرتباً مدى الحياة أو عقد التأمين على حياة الغير، أي دون اشتراط تصديقها من دائرة معينة أو موظف مختص، أو وجوب تسجيل ذلك العقد في السجلات الرسمية كما في عقد بيع العقار ورهنه وسائر التصرفات الواردة عليه أو عقد الرهن التأميني (أو) الرسمي كما تسميه بعض القوانين).

الدكتور احمد شعبان
مستشار قانوني
0507531574
[email protected]