الأحد 28 أبريل 2024 مـ 11:59 صـ 19 شوال 1445 هـ
جريدة النور
نادي النصر الرياضي
نادي النصر الرياضي
رئيس التحرير محمد حلمي

عين العقل ... لاتطفئ نور الله فيك

فى بيتين من الشعر رائعين حكى لنا الإمام الشافعى رحمه الله قصته مع شيخه " وكيع "، حين ذهب إليه يشكو سوء حفظه، فوجهه الشيخ إلى ترك المعاصى حتى يحظى بنور الله، يقول الإمام الشافعى: " شكوت إلى "وكيع " سوء حفظى .. فأرشدنى إلى ترك المعاصى.. وأخبرنى بأن العلم نور.. ونور الله لايهدى لعاصى ". إن نور الله موجود فينا جميعا بحكم الفطرة التى فطر الله الناس عليها، وبحكم النفخة الربانية التى نفخها جل شأنه فى أبينا آدم، لكن مع تدرجنا فى معارج الحياة تتفاوت حظوظنا، كل منا يأخذ من نور الله بقدر ماقدر الله له، وبقدر ماقدم هو من صلاح وإصلاح فى الأرض، ونورالله يأتينا فى صور عديدة، فالعلم نور، والحق نور، واليقين نور، والإيمان نور، والهداية نور، والتوفيق نور، ونور الله لايهدى إلا لمن استعد له واستحقه . لقد رأيت " نور الله " لدى كثيرين، استشعروه فى أنفسهم واستحقوه، وظهر تأثيره عليهم فيما يقولون ويفعلون . رأيت المستشرقة الألمانية آن مارى شيمل ( 1922 ـ 2003 ) تتحدث عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم حديث العالم المحب، وهى على مسيحيتها، فقلت هذا من نور الله، وقرأت بعضا من كتبها عن الإسلام والحضارة الإسلامية فقلت هذا من نور الله ، وسمعتها تقول : لماذا تلوموننى على حبى ودفاعى عن رسول الإسلام الذى أحبه وما تعرض شخص فى التاريخ للظلم الذى تعرض له محمد فى الغرب، فقلت سبحان الله، هذا من نور الله . واستمعت إلى المبشر الكندى عالم الرياضيات د. جارى ميلر وهو يتحدث عن تجربته الروحية مع القرآن ورحلته إلى الإسلام، فقلت هذا نور الله ألقاه فى قلب الرجل فشرح صدره وأنار بصيرته، وكشف له من أسرار الهداية مالم يكشف لبعض ممن ينطقون الشهادتين بألسنتهم لكنهم أطفأوا نور الله فيهم، ومازالوا يشاغبون فى دينه . يقول د.ميلر : حين قررت إلقاء نظرة على القرآن لأرى إن كان يستحق القراءة أم لا، ولأحدد الصحيح فيه والخاطئ، ظننت أن الأمر قد يتطلب بضع سنوات فانتهيت من قراءته بعد ثلاثة أيام فقط ، لم أقابل مسلما فى حياتى، لكننى كنت قد قرأت بعض الكتب التى تقول إن محمدا كاذب ومجنون يدعى أنه نبى وأن كتابه وحى من الله، وتقول أيضا إن القرآن كتبته لجنة كاملة لأنه مرتب بشكل جيد للغاية، ويحتوى على معلومات لايمكن لعربى أن يعرفها، وأن محمدا كان لديه مصدر خارجى للمعلومات ، وربما يكون قد حصل على هذه المعلومات من مكان ما ووضعها فى كتابه . كما قرأت سيرتين ذاتيتين عن محمد كتبهما غير المسلمين، واحدة منهما كتبها رودنز، وهو ملحد يكره محمدا بشدة، لكن كان هناك دائما شيء فى داخلى يجعلنى أفكر بطريقة مختلفة فى الوقائع الواردة بهذه الكتب ، فمثلا عندما اختبأ محمد مع صديقه أبى بكر فى الكهف هربا من مدينة كاملة تطارده وتريد قتله، وجاء الكفار إلى مدخل الكهف، ماذا قال لصاحبه ؟! لم يقل ابحث لنا عن مخرج آخر، وإنما قال لاتحزن إن الله معنا، وهذا كلام رجل على يقين راسخ ،لا يمكن أن يكون كاذبا . وعندما كبر محمد فى السن رزق بولد يدعى إبراهيم، ومات إبراهيم وعمره عامان، وفى يوم وفاته حدث خسوف للشمس وأظلمت السماء، وجاء المسلمون إلى نبيهم يقولون إنها المعجزة، أظلمت السماء حزنا على إبنك، ولو كان محمد مجنونا لصدقهم، وفرح لما قالوا، ولو كان كاذبا لاستغل الفرصة وقال لأتباعه نعم انشروا الخبر بين الناس، ابنى مات فأظلمت الدنيا حزنا عليه، هذا دليل على أنى نبى، لكنه لم يفعل ، بل غضب منهم وقال هذا جنون، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاينخسفان لموت أحد ولا لحيانه . ويقول بعضهم إن الشيطان هو من أوحى لمحمد بما جاء فى كتابه، حسنا لكن القرآن نفسه يقول: " إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " النحل 98، فهل يعقل أن يقول لك الشيطان قبل أن تقرأ كتابى اسأل الله أن ينقذك منى ؟! وفى حياة النبى تعرض القرآن لاختبار كبير فى قصة عمه وعدوه الأكبر أبى لهب، فقد نزلت فيه سورة تنبئ بأنه سيموت على الكفر وسيدخل جهنم، ولن يكون مسلما فى يوم من الأيام، ولمدة عشر سنوات قبل وفاة أبى لهب كانت هذه السورة تتردد على مسامعه، وكان بإمكانه أن يثبت خطأ القرآن بأن يعلن إسلامه، ويقول للناس إن القرآن كاذب لأننى أسلمت ولن أدخل النار، كان أمامه عشر سنوات ليفكر فى الأمر لكنها إرادة الله . و يردد البعض أن المسلمين أهانوا المسيح عليه السلام، هذا كذب، لقد رفعوا مكانته، فلا يمكنهم تحمل سبه أو الاستهزاء به، هذا من أصل عقيدتهم، فالمسيح مثل محمد، وكل الرسل يشغلون نفس المكانة عند المسلمين . ثم من يتبع سنة المسيح اليوم مثل المسلمين؟! المسيح علم حوارييه أن يحيوا بعضهم بقولهم " السلام عليكم "، والترجمات العربية تضعها " سلام لكم " بينما العبرية تقول " شالوم عليخوم، وهى نفسها تحية المسلمين، وحين علم المسيح حوارييه الصلاة فى الحديقة خر ساجدا على وجهه، فمن يصلى هكذا اليوم؟! وكان المسيح يصوم لمدة تزيد على الشهر فمن يصوم اليوم مثل المسيح ؟! وتنتهى رحلة د. ميلر بوصية رائعة: لاتغلق عقلك، ولا تقبل بحكم قبل أن تجتمع لديك كل الحقائق، ولا تطفئ نور الله فيك .