الموتيفا بين الفن والحياة .. الفنانة التشكيلية عفاف يوسف

للموتيفا مكانة محورية في الدراسات الفنية والنقدية، فهى تعد من العناصر البنائية التي تمنح العمل الفني إيقاعا بصريا كما أن لها دلالاتها الرمزية. فالموتيفا ليست مجرد عنصر متكرر داخل التكوين، بل هي بنية جمالية تعمل على خلق ترابط داخلي بين أجزاء اللوحة وتمنحها وحدة عضوية قادرة على التواصل مع المتلقي.
تناول عدد من الباحثين دور التكرار في البناء الفني. اذكر منهم رأى إرنست غومبريت في كتابه فن الإدراك البصرى فيشير إلى أن التكرار يخلق توقعًا بصريًا لدى المتلقي، ومن ثم يثير متعته حين يكتشف التحوير أو الاختلاف.
هنا يمكننا طرح الموتيفا على مستويين الشكلى البنيوى والرمزى ، فشكليًا يمكن النظر إليها كعنصر بصري يتكرر داخل العمل كالخط، اللون، الشكل الهندسي أو وحدة زخرفية. فعلى سبيل المثال الزخرفة الإسلامية ، يتجلى فيها التكرار في الأرابيسك والنجوم متعددة الأضلاع، حيث يصبح التكرار تجسيدًا لفكرة اللانهائية وامتدادًا فلسفيًا لفكرة المطلق. وبالفن الغربي الحديث نجد اقرب مثال في أعمال كلود مونيه الذي كرر موضوع زنابق الماء عشرات المرات، لكن التكرار عنده ليس نسخًا آليًا بل بحثًا بصريًا في الزمن والحركة والضوء
بينما رمزيا تتحول الموتيفا إلى حامل لمعنى يتجاوز الشكل الظاهر. فعند فان جوخ نجد دوامات الفرشاة والحقول الصفراء المتكررة تحمل أثر هواجسه الداخلية وصراعه الوجودي. وعند بيكاسو موتيفا الوجه المتكسّر والخطوط الحادة تجسد تفكك الرؤية التقليدية للعالم، وتعكس فلسفة التكعيبية في إعادة بناء الواقع.
وإذا تجاوزنا حدود الفن نحو الحياة اليومية، سنجد أن الروتين البشري يوازي الموتيفا من حيث كونه تكرارًا، لكن ما يميز الفنان أنه يحول التكرار إلى جمال، وهو ما يفتح المقارنة بين الفن بوصفه جماليات للتكرار والحياة باعتبارها مساحة يمكن تحويل رتابتها إلى إيقاع ومعنى وفن ،فقط لو نظرنا للفعل اليومي باعتباره موتيفا وجودية. فلن نجد التكرار هنا سلبيًا، انما غياب الوعي أو التجديد يحوله إلى عبء. حين نمارس النمط اليومي بلا إدراك لمعناه يصبح خانقًا، انما النظر إليه من زاوية جديدة يضيف له معنى مختلفًا، ويحوله إلى إيقاع يثري حياتنا.
شرب القهوة مثلًا ليس مجرد عادة، بل يمكن أن يصبح طقسًا يفتح مساحة للتأمل أو يمنح لحظة صفاء. والرياضة اليومية لا تبقى مجرد واجب جسدي، بل تتحول إلى موتيفا صحية تبني الجسد . حتى لحظة المشي المعتادة قد تتحول إلى مساحة للإنصات الداخلي والتأمل إذا تمت ممارستها بوعي جديد.
بهذا المعنى يصبح الفنان معلمًا للحياة، فهو يوضح لنا أن التكرار لا يعني الجمود بل إمكانية مستمرة للخلق. ما يقوم به الفنان في لوحته يمكن أن يوازي ما يقوم به الإنسان في حياته بإعادة صياغة التكرار بحيث لا يكون مجرد نسخة مملة، بل إيقاعًا حيًا يُضفي على الزمن معنى وجمالًا.
إن دراسة الموتيفا تكشف أن الجمال لا يولد من التفرد فقط، بل من التكرار حين يُدار بوعي وإبداع. فالفن يعيد صياغة العناصر المكررة لتصبح جزءًا من هوية العمل الفني، والحياة بدورها يمكن أن تتحول عبر الروتين إلى موتيفا شخصية تمنح وجودنا إيقاعًا ومعنى. وهكذا يكشف الفن درسًا فى امكانية اعادة النظر إلى التكرار في حياتنا لا باعتباره عبئًا ومللًا ، بل مادة نستطيع تشكيلها، فيصبح الروتين إيقاعًا جماليًا حين نراه بعين إبداعية.
الفنانة التشكيلية عفاف يوسف