الخميس 2 أكتوبر 2025 11:10 صـ 9 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة النور الاخبارية
رئيس التحرير محمد حلمي
×

بين الفصحى والعامية: أي لغة يسكنها الأدب؟

الأربعاء 1 أكتوبر 2025 10:34 صـ 8 ربيع آخر 1447 هـ

الأدب ليس مجرد كلمات تُرصّ على الورق بل هو مرآة تعكس روح المجتمع وصوت الناس. ومنذ بدايات النهضة الأدبية الحديثة ظلّت العلاقة بين اللغة العربية الفصحى واللغة اليومية – أو ما يُسمّى بالعامية – موضع جدل واسع بين الأدباء والمفكرين. هل يظل الأدب حبيس الفصحى بما لها من وقار ورصانة؟ أم ينفتح على العامية بما تحمله من حيوية وقرب من الناس؟
الفصحى بلا شك تمثل وعاء الهوية العربية ومخزون التراث الفكري والثقافي. فهي اللغة التي حملت الشعر الجاهلي وصاغت آيات القرآن الكريم وحفظت تاريخ الأمم والأفكار عبر القرون. ومن هنا كان المدافعون عنها يرون أنّ أي انحراف عنها هو إضعاف لرابطٍ جمعي يربط بين العرب جميعًا مهما اختلفت لهجاتهم.
لكن على الجانب الآخر جاءت أصوات من داخل المشهد الأدبي تُدافع عن العامية وتدعو إلى استخدامها في الكتابة بحجة أنّها أقرب إلى الناس وأكثر صدقًا في التعبير عن تفاصيل حياتهم. العامية لغة الشارع والبيت والعمل لغة الحزن والفرح والمواقف البسيطة اليومية. لذلك رأى بعض الأدباء أنّ تجاهلها يعني تجاهل نبض الحياة الحقيقية.
ولعلّ التجارب الإبداعية في الشعر والمسرح والرواية أظهرت أن التوازن بين الفصحى والعامية قد يكون حلاً وسطًا. ففي الشعر الغنائي مثلًا حملت العامية أصواتًا خالدة وصلت بسهولة إلى ملايين الناس بينما ظلّت الفصحى في الشعر الكلاسيكي محافظة على قيمتها الجمالية والفكرية. وفي الرواية لجأ بعض الكتّاب إلى كتابة الحوارات بالعامية لإضفاء واقعية على الشخصيات مع الاحتفاظ بالسرد والوصف بلغة فصحى رشيقة.
هذا التداخل بين المستويين اللغويين يفتح الباب أمام سؤال جوهري : هل الأدب ملك للفصحى وحدها أم أنّ العامية قادرة على أن تكون شريكًا فاعلًا في صياغة نص أدبي حقيقي؟
في النهاية يمكن القول إن الأدب لا يُقاس فقط بوسيلة اللغة بل بقدرة الكاتب على جعل النص نابضًا بالحياة. الفصحى تمنح النص بعدًا عميقًا وجمالًا لغويًا خالدًا بينما تمنح العامية النص حرارة وصدقًا وواقعية. وربما تكمن روعة الأدب العربي الحديث في قدرته على الجمع بين هذين البعدين بحيث لا يفقد جذوره في التراث ولا ينفصل عن نبض الناس
إنّ النقاش حول الفصحى والعامية لن ينتهي بسهولة لأنّه في جوهره نقاش عن الهوية والثقافة والواقع ولكن الأكيد أنّ الأدب الحقيقي لا يتقوقع في إطار جامد بل يبحث دائمًا عن الصيغة التي تمنحه الصدق والخلود معًا وبين لغة التراث ولغة الحياة اليومية سيظل الأديب هو صاحب الكلمة الأخيرة يختار من أدواته ما يُجسد التجربة الإنسانية بأصدق ما يكون