الأحد 28 أبريل 2024 مـ 11:34 صـ 19 شوال 1445 هـ
جريدة النور
نادي النصر الرياضي
نادي النصر الرياضي
رئيس التحرير محمد حلمي

إحياء «الفرائض الغائبة» ضرورة.. و«القرآن» أهم معالم الحضارة

الشيخ أحمد ربيع الأزهرى من علماء ومفكرى الأزهر الشريف، باحث فى تاريخ والمنهج الأزهرى، ومتخصص فى مقاصد الشريعة، صاحب مشروع فكرى ورؤية، فى هذا الحوار معه نفتح به آفاقا ونحرك به الماء الراكد ونقدم من خلاله رؤى خلاقة للنهوض بأمتنا وصناعة الأمل فى النفوس.

أكد «الأزهرى» أن اليأس من أهم الأسلحة التى يبثها أعداؤنا بين صفوف الأمة لينفرط عقدها ولذلك يجب نشر ثقافة الأمل، مشيرا إلى أن هذا الأمل له ركائز أهمها الإيمان والعلم والعمل والإخلاص والصبر.

وأضاف الشيخ أحمد ربيع أن مقاصد الشريعة الإسلامية تبحث عن الغايات والأسرار والمرامى للشارع من التشريع، وهذا نص الحوار معه:

< بداية.. نحن فى رحاب شهر رمضان وعبادة الصوم فهل العبادة صلاة وصيام وزكاة وحج فقط أم أن هناك عبادات أخرى؟

- نعم هناك عبادات أخرى، فربنا كما يُعبد بالصلاة والقيام يُعبد بالعلم والعمل والإتقان، وكما يُعبد بالتسليم والخضوع والركوع يُعبد بالقضاء على الجهل والمرض والجوع، وكما يُعبد بالتسبيح والسجود يُعبد بالعطاء والجود، وكما يعبد بالذكر والدعاء يُعبد بالبذل والعطاء، وكما يُعبد بالخشية والصيام يُعبد بجبر الخواطر والمروءة والإحسان، وكما يُعبد بالحج والزيارة يعبد بالبناء والتعمير والعمارة.

< لماذا نرى خطابكم الدعوى يركز دائما على صناعة الأمل فى النفوس؟ وما أهم ركائز صناعة الأمل فى الأمة ومن هم أبرز صناع الأمل فى الأمة من وجهة نظرك؟

- نهتم بصناعة الأمل فى الأمة وفى نفوس أفرادها، لأنه إذا كانت هناك أسلحة مادية فتاكة تُدمر وتَقتل فإنَّ هناك أسلحة أخرى نفسية قد تكون أشد ضراوة على قوة الأمة وتقدمها بل وبقائها واستمرارها، ويأتى على رأس هذه الأسلحة نشر اليأس فى النفوس.. مما يتولد عنه الإحباط والتشاؤم والانهزام الداخلى وفقدان الثقة فى الذات مما يثبّط الهمم، ويُقعِد عن العمل، وينشر السلبية واللامبالاة ويبرّر الخضوع والخنوع والهمود، ويُفسِد مع الحاضر المستقبل، ولأنَّ الأمم اليائسة هى الأمم البائسة، ولأن نشر اليأس من أهم الأسلحة التى يبُثها أعداؤنا بين صفوفنا لينفرط العِقد وتتفرق الصفوف وتسقط الثغور كان من المهم أن نجعل على رأس أولويات خطابنا نشر ثقافة الأمل. وللأمل ركائز يُجمع فيها بين الأمل الفسيح والعمل الصحيح، وهذه الركائز هى: الإيمان، والعلم، والعمل، والإخلاص، والصبر، فالإيمان مُنطلق العمران، والعلم أساسه، والعمل إنجازه، والإخلاص إتقانه، والصبر قوة لتخطى الصعاب وعدم اليأس وتكرار المحاولة مرات ومرات. أما عن أبرز صُناع الأمل فى الأمة فهم: عالم عامل، ومعلمٌ مربى، وقاضٍ عادل، وطبيب إنسان، فالأول يحفظ الإيمان، والثانى يصنع الرجال، والثالث يقيم الميزان، والرابع يحفظ الأبدان، وبصلاحهم تحدث النهضة وينتشر العمران.

< كثر الحديث عن مقاصد الشريعة فما أهمية دراسة علم المقاصد؟ وما هى الأفكار الرئيسية التى يدور فى فلكها هذا العلم؟

- المقاصد تبحث عن الغايات والأسرار والمعانى والمرامى والحِكم المقصودة للشارع من التشريع. وقد أعلت من أفكارٍ ثلاثة: التعليل باعتباره أداة لضبط الحُكم وربطه بالمعانى، والمصالح باعتبارها غاية للحُكم بها تعرف موارده ومصادره، ومآلات الأفعال باعتبارها القاعدة الرئيسة فى فقه التنزيل، من هنا كانت الأهمية البالغة لمعرفة المقاصد؛ لعظيم فائدتها فى صناعة الفقه التجديدى والمشروع الحضارى والإحيائى للأمة من ناحية، وكونها المدخل الحقيقى لصناعة فقه الهداية والدعوة للإسلام بلغة يفهمها إنسان القرن الواحد والعشرين الذى يبحث عن المعقولية والمنطقية فى الخطاب الموجه إليه من ناحية ثانية، كما أنَّ الترجيح بين النصوص تفاديًا للتصادم بين الفروع المستنبطة والأصول الكلية والأهداف العامة للشريعة يحتاج لمعرفة المقاصد، خاصة مع كثرة النوازل والمستجدات ومأزوميات الواقع الحياتى المعيش من ناحية ثالثة.

< كيف تنظر لواقع الأمة العربية والإسلامية فى خضم هذا الواقع المأزوم والتحديات الخطيرة؟ وما دور العلماء ومفكرى الأمة فى معالجته؟

- بداية نؤكد أنه يمر على الأمم والحضارات دورات من النمو والرقى والازدهار ثم التقهقر والتراجع والزوال، لذلك يكون الشغل الشاغل للعلماء وللعقل المفكر فى كل أمة كيف نُحافظ على عوامل البقاء وتُفعل أكثر وأكثر عواملَ التقدم والارتقاء؟ ولأنَّ الأمم والدول والشعوب تحتاج للمراجعة الذاتية بل والنقد الذاتى والمنهجية فى الرصد والتحليل والمواجهة حتى تظل حاضرة فى محيطها الإنسانى وفاعلة فى واقعها المعيش، فإننا يجب أن ننظر لواقع الأمة العربية والإسلامية بهذه العين المنهجية الناقدة التى يجب أن تُسلم بسوء حالنا وتقهقر حضارتنا وتخلف معارفنا وتشرذم أقطارنا، وأننا فى موقع لا يتناسب مع تاريخ أمتنا التليد ولا مع معطيات حضارتنا الفريدة، لذلك وجب أولاً الاعتراف بهذا التقهقر والتراجع، وأن نعمل على تحويل حالة «التوقف الحضارى» التى نحياها إلى مرحلة «الاستئناف الحضارى» ثم «الريادة الحضارية»، لنُعيد لهذه الأمة مكانتها فى السِباق الحضارى والريادة العلمية، لنتحول من دائرة «التأثر» إلى دائرة «التأثير»، ومن «ثقافة الاستهلاك» إلى «ثقافة الإنتاج» ومن «دائرة الضعف» إلى «دائرة القوة» ومن دائرة «الفقر المعرفى» إلى دائرة «الغنى الحضارى».. وهذا لن يكون إلا بإحياء ما يمكن أن نسميه بـ«الفرائض الغائبة» التى أحياها أسلافنا فصنعوا ما صنعوا، وهذه الفرائض يأتى على رأسها العلم والتفكير والحضارة والعمل والإتقان والريادة والعمران والتقدم والخيرية والإنسانية والعدل والتسامح والتعايش، والتجديد والأخلاق والضمير.. إلخ.

< فى إطار الحديث عن واقعنا الحضارى وأننا أصحاب حضارة فريدة، ما أهم معالم هذه الحضارة التى صنعها الإسلام؟ وماذا عن دعوتكم لتأسيس علم أصول الحضارة على غرار علم أصول الفقه؟

- بداية أهم معالم الحضارة الإسلامية أنها حضارة مرتبطة بدين عظيم وكتاب جامع وهو القرآن الكريم، ولذلك اكتسبت هذه الحضارة معالمها من معالم الإسلام كدين ومقاصد القرآن كشرع وأحكام، وهى حضارة تعتمد على محورية الإنسان ومركزية العلم ومنظومية القيم، مع تشوفها للحرية ومزاوجتها بين العلم والإيمان من ناحية والعلم والعمل من ناحية أخرى، وانتصارها الحقيقى كان دائمًا انتصارًا أخلاقيًا وقيميًا. أما عن دعوتنا لتأسيس علم أصول الحضارة غرار علم «أصول الفقه» لكى ننطلق منه بفقه يعيد الأمة لسابق عهدها من الريادة والفاعلية الحضارية، وهو علم يهدف لتقعيد الرؤية الحضارية للإسلام وكيف تكون «صناعة الإنسان» و«عمارة الأكوان» وتأسيس قيم التقدم والتحضر والريادة والبناء والعمران، علمٌ يبحث فى السنن الإلهية فى بناء الأمم، وهلاك الشعوب، وزوال الحضارات، وهذا العلم تكمن قواعده وأسسه فى القراءة المتأنية للقرآن الكريم لاستنباط قواعد وأسس علم أصول الحضارة، فعلى سبيل المثال يجب أن نقف طويلا مع مفهوم القوة من خلال قصة ذى القرنين فى سورة الكهف، وأسس «الحفظ العمرانى» كما فى سورة يوسف، وبناء منظومة الشورى كما فى شأن بلقيس فى سورة سبأ، ومعالجات القرآن للخلل الذى يتسبب فى انهيار الحضارات وهلاك الشعوب كما هو الحال فى شأن أقوام شعيب ولوط وهود وصالح عليهم السلام، وبيان أسس الكفاءة والاعتماد على أرباب الكفاية كما فى قصة طالوت ويوسف وموسى مع شعيب.. إلخ.

< تكملة لفكرة تأسيس علم أصول الحضارة تحدثتم عما أطلقتم عليه «فقه الإحياء» كمنطلق للاستئناف الحضارى لأمتنا، فما هو المقصود بفقه الإحياء وما الأسس التى يعتمد عليها؟

- فقه الإحياء هو: مزيج مركب من القيم والأسس والمبادئ والأحكام التى تبنى النفس وتقوم السلوك وتصنع الضمائر وتدفع نحو البناء والنماء والتقدم والعمران والقدرة على البقاء والارتقاء من منطلق الاستخلاف فى الأرض للإنسان المكرم من قبل الله. والأسس التى يعتمد عليها هذا الفقه تكمن فى تعظيم قيمة وكرامة وحرمة الإنسان وتعظم مقاصد الشريعة والاستثمار فى الحياة من خلال علم متقن وعمل محكم، وتدعو لنشر ثقافة الحب وتحارب ثقافة الكراهية.. وتعاند ثقافة الموت وفكر الدمار، وتحارب ثنائية صناعة الجهل وجهل الصناعة، وتدعو ليقظة الضمير.. وصيانة الحق، وتعظيم أهمية الوقت واحترامه، وتدعو إلى الزرع والغرس لآخر لحظة من عمر الكون مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها» (رواه البخارى فى الأدب المفرد عن أنس بن مالك).

< بعد هذا الحديث الدقيق المشخص لحال الأمة والداعى لصناعة الأمل والاستئناف الحضارى نريد أن نقف على فقه أولويات الوقت لتتكامل الرؤية ويكتمل الطرح؟

- بداية فقه الأولويات فى نظرنا هو: «فقهٌ يضبط العقلَ لتيسير حركةِ الحياة والواقع نحو الأصلح والأفضل والأجدر والأرجح وفق قواعد منهجية ومصادر معرفية تفرق بين مراتب الأعمال وأولوية الأحكام ومصالح الإنسان ومسالك العمران»، وعليه فمن أهم أولويات الوقت: الاستثمار فى قيم الحياة وصناعة الإنسان ومحاربة ثقافة الموت والهدم، وصنع جدار حمائى لشبابنا من كل أشكال الانحراف والتطرف والإلحاد والشذوذ والإباحية، وأن نهتم بمنظومة الأسرة، فهى ركيزة المجتمع الأولى، وأن نهتم بصناعة القدوة وأن نصدر الكوامل من العقول لتكون النموذج والمثل، وأن نُحارب كل قبيح، وننشر قيم ومعانى الجمال، وأن نؤمن بالعمل المؤسسى والجماعى، وأن نجعل التعليم هو مشروعنا القومى الأول والأهم، وأن نضع الرؤى للاستفادة من حماس الشباب وحكمة الشيوخ فى إصلاح واقعنا واستشراف مستقبلنا، وأن نكرم المرأة أمًا وزوجة وبنتًا وأختًا وإنسانة.. وأن نستثمر فى تعليم وقيم المرأة، فالاستثمار فى النساء من مفاتيح البناء والنماء وتربية للنشء وصناعة الإنسان المزكى والمواطن الصالح.

< أخيرًا.. هل من وصية لأمتنا تُساهم فى فقه نجاة لواقعها المأزوم؟

- نعم وصيتنا فى هذه اللحظة شديدة التعقيد هى دعوة لوحدة الصف وجمع الكلمة، وأن نكون يدًا واحدة على أعدائنا، وأن نتعاون على خلق كيان جامع لأمتنا نتكامل من خلاله معرفيًا وعلميًا وتكنولوجيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وأن نهتم بعلوم المستقبل خاصة ما يتعلق بالذكاء الاصطناعى وعلوم النانو والتكنولوجيا الحيوية والطاقة الجديدة والنظيفة. وأخيرًا أوصى الأمة أن يلتزموا بخمس آيات قرآنية نرى فيها سفينة النجاة وباب الفرج ومفتاح المعية لأمتنا، هذه الآيات هى: الآية الأولى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون) (آل عمران:103). الآية الثانية: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين) (الأنفال:46). الآية الثالثة: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) (المائدة:2). الآية الرابعة: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) (العصر:3). الآية الخامسة: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة) (البلد:17).

موضوعات متعلقة