الجمعة 5 سبتمبر 2025 09:30 صـ 12 ربيع أول 1447 هـ
جريدة النور
رئيس التحرير محمد حلمي
×

لاأحد يخرج ويعود كما هوا

الجمعة 5 سبتمبر 2025 03:17 صـ 12 ربيع أول 1447 هـ

كتبت رحاب جمال المنسى

ينشأ اضطراب الإنسان من الثبات وعدم التغيير، والمبالغة في التمسك بصفة أو سلوك معين،
ولذلك نرى الخروج في السينما في كثير من الأحيان دعوة للتغيير، فلا أحد يخرج ويعود كما هو.
يبدأ فيلم "خرج ولم يعد" بأغنية أسمهان:

يا حبيبي تعالَ الحقني شوف اللي جرالي ..

وكأن الأغنية نداء لمنقذ، في حين أن عطية موظف مغلوب على أمره، لم يختر شيئًا في حياته. ثم يأتي قرار الخروج المصاحب لتواشيح تصدر من كاسيت عربة السفر "في طريقه لمصيره الجديد"، والابتهالات تُنشَد على لحن من ألحان أغاني أم كلثوم فتتسرب إلى وجداننا:

والشجر قبل الربيع حنشوفه أخضر ..
واللي فات ننساه .. ننسى كل أساه

وكأنها تبارك هذا القرار بالخروج.

ولكن أحيانًا نكون مجبرين على الخروج، ومع ذلك لا أحد يخرج ويعود.
في فيلم "آخر الرجال المحترمين" يعيش الأستاذ فرجاني في بلدته الصغيرة، إلى أن تضطره الظروف إلى الخروج. وهو أمر مختلف عن عطية الذي خرج من صخب المدينة إلى الريف. والأستاذ فرجاني يكره المدينة والزحام، وبالرغم من أنه يحاول أن يزرع في طلابه بيت الشعر:

وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا.

إلا أنه يفضل ألا يخوض غمار الحياة، فينعزل، منتقدًا ما وصل إليه الحال من إسفاف حين اختلط على طلابه اسم الشاعر أحمد شوقي بأحمد عدوية.
وأحمد عدوية هو أيقونة الزحام في السبعينات والثمانينات.
فنرى عطية في "خرج ولم يعد" عندما واجه خلافًا مع خوخة كاد أن يحرمه من جنته الجديدة، نراه يصرخ في الفضاء بشكل كوميدي:
جايلك يا أحمد يا عدوية.

إلا أن أستاذ فرجاني في رحلته سيشتبك مع الزحام والنصابين، ويغوص في قاع المدينة، ثم يكتشف أن الحياة ليست أبيض وأسود فقط كما كان يراها.
هذا النوع من التقبل يحرر الإنسان من الحكم على الآخرين، ومن الشعور المزيف بمعرفة جميع جوانب الأحداث.
وعندما نرى مع الأستاذ فرجاني السيدة التي خطفت الطفلة، نشعر بتعاطف معها حيث إنها مثل الأستاذ فرجاني؛ كلاهما توقف الزمن لديه عند فقد أطفاله.
وهنا أدرك الأستاذ فرجاني أنه يجب أن يعيد حساباته مرة أخرى، وبالرغم من أنه سيعود إلى بلدته الصغيرة، إلا أنه لن يعود بنفس الأفكار.
فلا أحد يخرج ويعود.

ولكن هناك نوع آخر من الخروج لا نختاره ولا نجهز أنفسنا له، أشبه بالطرد من الحياة.
فنرى تشاك نولاند في فيلم Cast Away بعد أن كان يشعر بالسيطرة على حياته أصبح وحيدًا في جزيرة معزولة.
تعلم تشاك في جزيرته أن يستقبل الحياة كما هي، وأن يتسامح مع كونه لا يستطيع التحكم في كل شيء، فالوقت الذي كان يحسبه بالثواني أصبح بلا قيمة. وأدرك أن الحب والونس أشياء تُبقي الإنسان على قيد الحياة حتى في الجزيرة المعزولة.
ثم جاء الخروج بعد أن تعلم أن الحياة قيمة في حد ذاتها، حتى لو لم يجد من ينتظر عودته، فإنه سيترك نفسه للحياة تأتيه بالجديد، لأنه لم يعد نفس الشخص الذي يعتقد أنه يجب أن ينظم ويتحكم في كل شيء.
فلا أحد يخرج ويعود كما كان.

العودة إلى نفس المكان بدون تغيير أو تعلم تكسبنا صفات الخضوع واليأس والاستسلام، وتقودنا إلى الهلاك، فالخروج بلا عودة يكون تذكرة نجاة.
ولذلك نرى الجد "محمود المليجي" في نهاية فيلم عودة الابن الضال يستجدي حفيده بصوت لا يُسمع:
متبصش وراك يا إبراهيم ..
انسَنا .. روح.

وآدي اللي كان وآدي القدر وآدي المصير..
نودع الماضي .. وحلمه الكبير ..