الجمعة 1 أغسطس 2025 10:37 صـ 6 صفر 1447 هـ
جريدة النور
رئيس التحرير محمد حلمي
×

أين حارة نجيب محفوظ

الإثنين 30 ديسمبر 2019 11:24 مـ 3 جمادى أول 1441 هـ

بقلم/السعيد حمدي
الأديب العالمي والحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، كان دائم التركيز في رواياته على الحارة المصرية.. وهي التي أوصلته للعالمية، وذلك اختيار عبقري، حيث لم يسبقه أحد إليه بهذا العمق، وقد رصد من خلال أعماله العديدة أحوال الحارة التي سكن بها آن ذاك الطبقة المتوسطة بجانب الطبقة الفقيرة وكانت القاهرة عبارة عن مجموعة من الحارات المتصلة ببعضها البعض، تحكمها قيم وعادات وتقاليد رائعة وذلك ما أبرزه محفوظ من خلال رواياته وأبهر به العالم، حيث عرض من خلال رواياته الشخصية المصرية الأصيلة المتمثلة في ابن البلد، والست الجدعة المحافظة، والأم الفاضلة، والزوجة المخلصة المتفانية، والشاب المجتهد، والرومانسي الحالم، والطموح، والفتاة الخجولة التي إذا أحبت لا يتعدى ذلك وقوفها خلف شباك المشربية لترسل ابتسامات هادئة تعبر بها عن قبولها لتلك المشاعر التي يحملها لها ذلك الشاب الحائر في صمت، حتى جوانب السوء ظهرت أيضا في تلك الأعمال و التي كانت قليلة جدا وليست بالبشاعة التي توجد في حارة اليوم .. ومن أهم أعمال نجيب محفوظ عن الحارة المصرية .. "بداية ونهاية" عام١٩٤٩.. و رواية "ولاد حارتنا" التي أثارت جدلال واسعة و تعرض لمحاولة اغتيال بسببها، و منعت من النشر في مصر لسنوات عديدة.. و الثلاثية التي تتكون من ثلاث روايات هم " بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية" عام ١٩٥٦ وأيضا رواية " اللص والكلاب" عام ١٩٦١، وزقاق المدق
وكلمة زقاق هي المرادف لكلمة الحارة.. وأيضا نجد الحرافيش عام ١٩٧٧، و"خان الخليلي" التي حملت اسم المكان المعروف بحي الحسين.. ولا شك أن نجيب محفوظ انبهر بالحارة المصرية التي نشأ فيها وكان لها تأثيرا كبيرا عليه، ومؤكد أنه نقل واقع كان يعيشه ويراه وذلك لأنه لم يكن يكتب إلا ما يعرفه جيدا أو يصدقه و ذلك السبب الأساسي في عدم ظهور روايات له عن الريف المصري، حيث قال أنه لا يعرفه وهناك أدباء خرجوا منه يمكنهم التعبير عنه بشكل أفضل.. وعندما أردت الدخول إلى عالم نجيب محفوظ على أرض الواقع من خلال الحارة الحقيقية.. أصبت بالذهول والصدمة لما رأيته.. وكان السؤال الملح.. أين ذهبت حارة نجيب محفوظ؟ ماذا حدث، وأين اختفت تلك القيم بهذه السرعة المذهلة، وكيف تحولت الحارة إلى حالة عشوائية تحكمها الفوضي و يسيطر عليها الجهل. هناك من ينتقد الممثل محمد رمضان ويتهمه بنشر البلطجة من خلال أعماله الفنية التي تبرزها في الحارة المصرية الآن، والحقيقة أن رمضان لم ينقل إلا واقعا ملموسا. سمعنا عن شخصية الفتوة في الحارة القديمة وتم تجسيدها في أعمال فنية أظهرته في أغلب الأحيان رجلا شهما ينصر الضعيف ويأتي بحق المظلوم.. اليوم هناك شخصية البلطجي الخارج على القانون و الذي لا يعرف شيئا عن الرجولة والنخوة الحقيقية، و يعيس فسادا في الأرض دون رادع، لأن الناس يؤثرون السلامة وسط ظروف طاحنة لا تمنحهم رفاهية رؤية الواقع المزري من حولهم وذلك جعلهم سلبيون لا يبالون.. والخطر الأكبر في جيل من الأطفال ينتشرون في الشوارع وكأنه لا أهل لهم، يرددون ألفاظا لا تتناسب أبدا مع أعمارهم ولا حتى أعمار غيرهم، وإنما تعبر عن السقوط في أقبح صوره.. لنكن صرحاء مع أنفسنا.. هكذا أصبحت الحارة المصرية بعد القضاء على الطبقة المتوسطة به.. إما بتحويل أصحابها إلى فقراء، أو فرار البعض منها والإلتحاق بركب الأغنياء، أو عيش بعضهم داخل هذا المجتمع الغريب سرا وكما يقال《في حاله》وهؤلاء نماذج تشعر بمنتهى الفرح عند لقاء أحدهم وتتعجب كيف يحتفظون بأخلاق عالية في ذلك المناخ، وهكذ وصلنا إلى هذا المشهد المحزن، وهو القضاء على أهم ما كان يميز المجتمع المصري بجانب الريف الذي لم ينجو هو الآخر وقد أصابه ما أصابه.. والسؤال هنا.. لو أن العمر كان قد امتد بنجيب محفوظ إلى الآن.. هل كان سيستمر في الكتابة عن الحارة بوضعها الحالي؟ أم سيكتب روايات أشبه بالأعمال التاريخية عن حارة كانت موجودة يوما من الأيام؟