الأدب والحرية... الكلمة لا تقهر

الأدب والحرية... كلمات لا تقهر
قال الأديب الكبير طه حسين: "الأدب هو الحياة في أوسع معانيها، وإذا حُرم الأدب من الحرية حُرم من الحياة." وهذه العبارة تلخّص علاقة الأدب بالحرية؛ علاقة أزلية لا تنفصم عراها. فمنذ أن خطّ الإنسان أولى كلماته على جدران الكهوف، كان يسعى ليقول: "أنا موجود، وأنا حر."
الأدب في مواجهة الاستبداد:
لم يكن الأدب يومًا صامتًا أمام القمع. فالمتنبي، الذي جسّد طموح الإنسان العربي في العزّة والكرامة، صاح بكلماته الخالدة:
"إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ".
وفي العصر الحديث، صار الشعر الفلسطيني سلاحًا في وجه الاحتلال، فمحمود درويش لم يكتب أبياتًا عابرة، بل كتب تاريخًا حيًّا للأرض والإنسان:
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة."
وهكذا ظل الأدب شاهدًا، لا يساوم ولا يتنازل، لأن الكلمة الحرة لا تعرف القيود.
الحرية الفردية في الكتابة:
غير أنّ الحرية في الأدب ليست سياسية فحسب؛ إنّها كذلك حرية الذات. فالكاتب حين يكتب عن الحب، أو الحزن، أو عن تفاصيله الصغيرة، فإنّه يمارس أسمى درجات الحرية: حرية البوح.
وقد دعا الجاحظ في كتبه إلى إطلاق العقل من أغلال التقليد، فيما أكّد إليا ابو ماضي، الفيلسوف والأديب ، أنّ: "الكاتب هو مرآة لمجتمعه و معتقداته."
إنّها حرية الروح قبل أن تكون حرية الفكر.
أثر الأدب الحر في المجتمع:
النصوص التي تُكتب بصدق وحرية تصنع قارئًا مختلفًا. فالقارئ الذي اعتاد التساؤل مع نص أدبي لن يقبل أن يعيش بعقل مغلق أو قلب خاضع. وهكذا يصبح الأدب طاقة تغيير، لا تُحدث أثرًا عابرًا، بل تغرس بذورًا في الوعي الجمعي تنمو مع الزمن.
الأدب الحر ليس ترفًا ثقافيًا، بل هو ضرورة إنسانية. ففي عالم يمتلئ بالأصوات المكرّرة، يبقى صوت الأديب الحر هو الأصدق، لأنّه يحمل في داخله شجاعة السؤال وجرأة الموقف.
إنّ الكلمة الصادقة لا تموت، والحرية التي تسكن الأدب هي التي تمنحه القدرة على البقاء جيلاً بعد جيل.